الهديل

اللواء د .الحميدان: المعادله الايرانيه (السلام مقابل عدم التدمير)

 

بقلم اللواء الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميدان

الحقيقه الواقعيه انه منذ السابع من أكتوبر عام 2023 م دخلت المنطقة مرحلة جديدة من إعادة التوازنات ليس فقط بين الكيان المحتل الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية بل بين إيران وأذرعها المنتشرة في الشرق الأوسط فالمعادلة القديمة التي كانت تقوم على رفع منسوب الصراع لزيادة النفوذ بدأت تتآكل أمام واقع جديد عنوانه السلام مقابل عدم التدمير لأنه لم يعد النفوذ الإيراني يقاس بمدى الصدام بل بقدرته على البقاء وسط عواصف الردع للكيان المحتل الإسرائيلي والأمريكي التي هزت قواعد اللعبة الإقليمية من لبنان إلى اليمن ومن العراق إلى سوريا بعد السابع من أكتوبر وجدت أذرع إيران في المنطقة نفسها أمام معادلة جديدة عنوانها السلام مقابل عدم التدمير فالمعادلة التي كانت تقوم على رفع منسوب الصراع لزيادة النفوذ تحولت إلى سياسة التهدئة المشروطة التي تضمن بقاء هذه الأذرع من دون خسارة قدراتها الأساسية لان ضربات الكيان المحتل الإسرائيلي والأمريكي المتتابعة منذ أواخر عام 2023 م حتى منتصف 2025 م كشفت هشاشة الجبهات المتعددة التي تعتمد عليها طهران وأظهرت أن أي مواجهة شاملة قد تجر المنطقة إلى دمار لا يمكن لإيران ولا لوكلائها احتماله لذلك أصبح الخيار الواقعي هو خفض التصعيد مقابل بقاء النفوذ فعلى الساحة اللبنانية اختار حزب الله نمط الردع المحسوب فرفع منسوب العمليات عند الحاجة لكنه تجنب الانجرار إلى حرب شاملة يمكن أن تدمر ما تبقى من الاقتصاد والبنية اللبنانية أما في اليمن فقد اعتمد الحوثيون هدنة تكتيكية بعد أن أدركوا أن استمرار الهجمات في البحر الأحمر ستستجلب تدميرا واسعا لمراكزهم العسكرية فاختاروا التهدئة التي تحفظ موقعهم السياسي دون خسارة الورقة الاستراتيجية وفي العراق وسوريا أمرت المجموعات الموالية لطهران بخفض تصعيدها حين اقترب خطر الرد الشامل مما يدل على أن القرار المركزي في طهران بات يوازن بين الرغبة في الظهور كقوة ممانعة والخشية من الانهيار الداخلي لان إيران نفسها جربت مواجهة مباشرة مع إسرائيل في ربيع 2024 فاكتشفت أن قدرتها على الردع ليست بلا سقف وأن أي تجاوز قد يعني استهدافا حقيقيا لبنيتها النووية والعسكرية لذلك أصبح منطق السلام مقابل عدم التدمير هو الإطار الذي يدار به الصراع اليوم فهذه الأذرع لم تتخل عن مشروعها ولكنها أعادت تعريفه ضمن حدود الكلفة المقبولة فهي لا تبحث عن تسوية دائمة بل عن هدنة تحافظ على وجودها وتمنع انهيارها ولهذا فإن التهدئة الحالية في الجبهات المختلفة ليست نهاية الصراع بل هي استراحة تكتيكية في صراع طويل تحكمه موازنة دقيقة بين الرغبة في البقاء والخشية من التدمير الكامل فكلما ارتفع خطر التدمير مدت ايران يدها نحو التهدئة وكلما تراجع الخطر عادت إلى رفع وتيرة الضغط والنيران لتذكر الجميع بأن مشروعها لم يمت وإنما يبدل جلده وفق ما تقتضيه موازين القوة الحالية ولهذا فإن هذه الأذرع مهما تبدلت سياساتها أو تراجعت تكتيكيا تبقى جزءا من النسيج الطبيعي للمنطقة فهي لم تنشأ في فراغ ولا جاءت من خارج سياقها الاجتماعي والسياسي بل هي امتداد لتحولات وصراعات صنعتها بيئة الشرق الأوسط نفسها بكل تناقضاتها ولذلك فإن أي محاولة لعزلها أو اقتلاعها من جذورها هي تجاهل لحقيقة أن هذه القوى تمثل شريحة من واقع المنطقة ومزاجها العام وإن الأمن الذي يتحدث عنه الغرب لن يتحقق بإضعافها أو استعدائها بل حين تدرك هذه الأذرع ومعها شعوبها أن الطريق إلى البقاء لا يمر عبر السلاح اوالصدام الدائم بل عبر عودتها إلى أحضان أمّتها والتكامل مع محيطها الطبيعي ضمن توازن يحفظ كرامة الجميع ويؤسس لسلام نابع من الداخل لا مفروض من الخارج ولهذا فإن القيادة الحكيمة والرشيدة في المملكة العربية السعودية تدرك جوهر هذه المعادلة جيداً فقد تعاملت مع الحوثي في اليمن باعتباره جزءاً من النسيج الاجتماعي والسياسي الطبيعي لليمن لا جسماً غريباً يمكن استئصاله بالكلية فكانت سياستها قائمة على فهم الواقع وإدارته بحكمة لا على اندفاع العاطفة أو منطق الانتقام إذ إن المملكة قادرة على الحسم العسكري الكامل لكنها اختارت طريق التعقل والتوازن إدراكاً منها أن الحل الحقيقي لا يكمن في اقتلاع الخصم بل في إعادة دمجه ضمن مشروع استقرار اليمن ووحدته ولهذا فأن الأمة العربية ايضا تنتظر عودة هذه القوى إلى حضن أمتها العربيه طوعا كي تسهم في عملية البناء والإصلاح وتعيد لبلدانها الاستقرار والكرامة وتكون شريكة في نهضة المنطقة بدلاً من أن تكون أداة للصراع والتدمير.

Exit mobile version