خاص الهديل….

بقلم: ناصر شرارة
بين لبنان والعراق يوجد حبل سرة سياسي أحياناً لا يكون مرئياً، ولكن النظرة الاستراتيجية الحاذقة كانت ولا زالت تعتبر أنه حتى تعرف ماذا سيحصل في لبنان عليك أن تعرف ما يحصل وماذا سيحصل في العراق..
خلال بدايات الحرب الأهلية في لبنان فكر مسيحيون لبنانيون أن الحرب ستنتهي بتقسيم لبنان؛ وعليه لماذا انتظار الوقت المكلف بشرياً واقتصادياً؛ وبدل ذلك فلنذهب إلى التقسيم اليوم. آنذاك جال هؤلاء على نخب الموارنة وطرحوا عليهم فكرتهم؛ فكانت أبرز إجابة تلقوها من الرئيس كميل شمعون حسب إحدى الروايات – ذلك أن هناك رواية أخرى تذكر اسم شخصية ثانية – الذي قال: تقسيم لبنان ليس قراراً بأيدكم أو بأيدي لبنان؛ بل هو قرار دولي وخارجي؛ ثم نصحهم شمعون قائلاً: لا تتعبوا وتحاولوا الدفع باتجاه التقسيم أو غير ذلك؛ وما عليكم فعله هو النظر إلى العراق؛ ففي حال تم تقسيم العراق فإن لبنان سيقسم، وإذا توحد العراق فلبنان سيوحد. شكل الحكم في لبنان مربوط جيوسياسياً بشكل الحكم في العراق؛ كما أن لبنان بالاتجه السياسي الإقليمي العام مربوط بحالة سورية وتوجهاتها.
والواقع أن هذه النظرية عن ارتباط لبنان جيوسياسياً بالعراق وارتباطه استراتيجياً وسياسياً بسورية لم ترد على لسان شمعون فقط؛ بل هي تميمة يحفظها أرباب السياسة اللبنانيون والمشرقيون.
لماذا يتم الآن استعادة كلام شمعون عن ارتباط مصير لبنان السياسي الداخلي بمصير مستقبل العراق السياسي الداخلي؟؟.
الواقع أنه ليس هناك سبب واحد يقود حالياً لاستذكار معادلة العراق لبنان؛ بل هناك عشرات الأسباب؛ ولكن السبب المباشر يتمثل بتعيين الرئيس ترامب مبعوث جديد إلى العراق هو أميركي من أصل عراقي وهو مسيحي من الطائفة الكلدانية اسمه مارك سابايا الذي كان ذاع اسمه بعد نجاحه في إطلاق رهينة يهودية روسية أسرها أحد الفصائل الشيعية العراقية.
ومنذ بروز خبر تعيين سابايا ليل أمس تتالت التقارير السياسية التي تشبه مهمة مارك سابايا في العراق بمهمة توم براك في لبنان؛ فكلاهما يرسلهما ترامب لأنهما صديقان له وينتميان لطبقة الأثرياء ورجال الأعمال؛ ولأنهما يعودان بأصليهما إلى البلد الذي يرسلهما إليه ترامب: فبراك من أصل لبناني وهو مسيحي؛ وسابايا من أصل عراقي وهو مسيحي كلداني. أضف أن العنوان الأساس لمهمة براك في لبنان هو حصرية السلاح لصالح الدولة وسحب سلاح حزب الله تحت اتهامه بأنه جزء من النفوذ الإيراني في المنطقة؛ فيما العنوان الأساس لسابايا في العراق سيكون حصرية السلاح لصالح الدولة ونزع سلاح الفصائل المتهمة من واشنطن بأنها تابعة لإيران.. أي أن كلي المبعوثين الأميركيين لديهما مهمة مشتركة في لبنان وفي العراق، وهي إخراج إيران من المشرق؛ وترتيب البيتين العراقي واللبناني على نحو يؤمن انخراطهما في “التوجه الترامبي” الصاعد في الشرق الأوسط.

