الهديل

اللواء الدكتور الحميدان: رسائل التوازن الامريكيه لما بعد الحرب (بيروت سوريا إسرائيل)

رسائل التوازن الامريكيه لما بعد الحرب (بيروت سوريا إسرائيل)

بقلم اللواء الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميدان

زيارة نائب الرئيس الأميركي إلى إسرائيل تأتي في لحظة حاسمة من إعادة رسم معادلات الإقليم إذ تجسد على الأرض إرادة إدارة ترامب الثانية في تثبيت وقف إطلاق النار في غزة وتحويله من هدنة هشة إلى ركيزة لخطة أوسع تشمل لبنان وسوريا معا في سياق مشروع السلام المشرقي الذي تسعى واشنطن لتسويقه عبر مزيج من الأدوات السياسية والأمنية.

فقد وصل جي دي فانس إلى تل أبيب محملا بتوجيهات واضحة من البيت الأبيض لطمأنة القيادة الإسرائيلية بأن الولايات المتحدة باقية كشريك أمني أول في مراقبة الهدنة وتأكيد أن أي خرق سيعالج ضمن إطار إدارة الهدنة لا تجديد الحرب بالتوازي مع مطالبة إسرائيل بإبداء مرونة تسمح بالانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة ترامب وهي المرحلة الأمنية السياسية التي تتضمن نزع القدرات الهجومية وإعادة انتشار منظم ومشاركة عربية في الرقابة الميدانية والإنسانية للخطة التي انطلقت من ثلاث طبقات مترابطة أولها وقف شامل للنار وتبادل الأسرى والجثامين وفتح المعابر وثانيها ترتيبات أمنية بإشراف أميركي مصري قطري وثالثها مرحلة إعادة الإعمار والحوكمة المؤقتة تمهيدا لمسار سياسي طويل المدى.

حيث ان هذه المراحل صممت من صميم المخرجات الأممية التي خرج بها مؤتمر حل الدولتين في نيويورك والذي أسفر عن إعلان نيويورك الداعم لقيام دولة فلسطينية ضمن جدول زمني وإشراف دولي وهو ما تحاول واشنطن استثماره دون أن تتورط في اعتراف فوري مستفيدة من الإجماع الدولي الذي قادته فرنسا والمملكة العربية السعودية لتوفير غطاء سياسي لخطة ترامب المعدلة في هذا الإطار . وهنا يبرز المبعوث الأميركي توم براك المكلف بملف سوريا ولبنان كصوت واشنطن في مواجهة تل أبيب وبيروت معا بخطابه الذي لم يكن محايدا بل مشحونا برسائل مزدوجة للبنان أن زمن التفلت انتهى وأن ضبط الحدود الجنوبية جزء من معادلة الهدنة الكبرى لا من مسؤولية اليونيفيل وحدها ولسوريا بأن إعادة الإعمار لن تبدأ قبل التزامات أمنية واضحة تشمل حصر السلاح الثقيل بيد الدولة وتحييد الجبهة اللبنانية السورية عن أي اشتباك ولتل أبيب ايضا أن واشنطن لن تبارك أي توسع عسكري شمالا لأن المعادلة الجديدة تعتبر الجبهة اللبنانية امتدادا للهدنة وليس جبهة مستقلة عنها . وبذلك يصبح ملف بيروت دمشق محورا متقدما في الخطة الأميركية ومقياسا لجدية الأطراف في تنفيذ بنود الاتفاق الإقليمي وفي المقابل ترى الولايات المتحده ان الموقف السعودي الفرنسي يشكل العمود السياسي الداعم لهذه الرؤية الأميركية من دون أن يذوب فيها.

فالمملكة العربية السعودية التي قادت مع باريس الجهد الدبلوماسي في مؤتمر الأمم المتحدة الأخير دفعت باتجاه تثبيت حل الدولتين كإطار نهائي وشرط مسبق لأي تطبيع شامل وقد أكدت الرياض أن الاعتراف بإسرائيل مرهون بقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود سبعة وستين وعاصمتها القدس الشرقية وهي رسالة تبنتها باريس بقوة معتبرة أن شرعية أي وقف للنار لا تكتمل دون أفق سياسي وهذا التموضع انضمت إليه مصر وقطر والأردن حيث جعل من الجبهة الدبلوماسية العربية قوة ضغط ناعمة داخل النظام الدولي تدعم رؤية واقعية للحل لا تتعارض مع خطة ترامب بل تكملها من بوابة الاعتراف المتدرج والتزامات أمنية متبادلة.

ومن هنا يتضح أن زيارة نائب الرئيس الأميركي إلى إسرائيل لم تكن مجرد استعراض دعم سياسي بل خطوة في معركة تثبيت هندسة جديدة للشرق الأوسط واشنطن تمسك بملف غزة كمدخل للتهدئة والرياض وباريس تمسكان بالملف السياسي كمفتاح للشرعية بينما تختبر بيروت وتل أبيب في مدى التزامهما بخطوط هذه المعادلة.

فلبنان أمام امتحان مزدوج وهو خفض التوتر جنوبا وضبط الحدود مع سوريا بالاضافه إلى اعطاء الحكومه اللبنانيه فرصه لنزع السلاح في مقابل حوافز اقتصادية وإعمارية مشروطة وإسرائيل أمام اختبار الالتزام بحدود الهدنة والانخراط في المسار السياسي من دون تفجير الجبهة الشمالية.

وفي النتيجة تقف المنطقة أمام مرحلة انتقالية حساسة إما أن تترجم الهدنة إلى منصة إقليمية حقيقية نحو حل الدولتين برعاية عربية دولية أو أن تعود النار لتبتلع ما تبقى من فرص السلام وعندها سيكون الثمن سياسيا واقتصاديا مضاعفا على الجميع.

Exit mobile version