بقلم اللواء الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميدان
دعوة الرئيس اللبناني جوزيف عون للجيش بالتصدي لأي توغل إسرائيلي لا يمكن قراءتها كتصريح انفعالي عابر بل كرسالة سياسية وأمنية عميقة تتجاوز حدود الرد اللحظي.
الرئيس عون وهو القادم من المؤسسة العسكرية يدرك أن أي توغل إسرائيلي ولو محدوداً يمس جوهر السيادة اللبنانية ويضع الدولة أمام اختبار حقيقي لهيبتها في الجنوب لذلك جاءت دعوته كإعلان نية لإعادة تثبيت الجيش في موقعه الطبيعي كحارس للحدود ورسالة واضحة بأن الجنوب لم يعد ساحة مفتوحة بلا قرار مركزي. الرسالة موجهة في اتجاهين متوازيين إلى إسرائيل بأن مرحلة التساهل انتهت وأن أي خرق جديد سيقابل برد من الدولة لا من جماعات محلية وإلى الداخل اللبناني بأن حماية السيادة ليست حكراً على فصيل أو جهة بل واجب وطني تتحمله المؤسسة الشرعية الوحيدة.
لكن هذا التوازن بالغ الحساسية فالجيش يتحرك في منطقة يختلط فيها الأمن بالسياسة والخطأ فيها قد يشعل مواجهة لا يريدها أحد لان الجيش إن بالغ في الحذر اتهم بالتقصير وإن بادر بالرد اتهم بالمغامرة وفي الجوهر أعاد الرئيس عون فتح نقاش قديم حول من يمتلك حق الرد فهو لا يواجه إسرائيل فقط بل فكرة الاحتكار المقاوم التي تحولت مع الزمن إلى جزء من النظام السياسي نفسه ورسالته هنا ليست استفزازاً لأي طرف بل محاولة لاستعادة السيادة من الرمزية إلى الفعل ولتأكيد أن حماية الأرض لا تحتاج إذناً من أحد غير أن الامتحان الحقيقي سيأتي عند أول احتكاك ميداني لأن إسرائيل ربما قد تختبر حدود هذه الدعوة سريعاً وعندها سيقاس صدق الخطاب بالفعل هل يرد الجيش وهل يسانده الداخل السياسي أم يتركه وحيداً.
ولهذا فان نجاح التجربة سيمنح لبنان للمرة الأولى منذ سنوات ورقة قوة تفاوضية حقيقية لأن فشلها سيعيد المشهد إلى ما كان عليه دولة تتحدث كثيراً لكنها لا تمسك بزمام الردع.
في النهاية ما قاله الرئيس جوزيف عون لم يكن بياناً بروتوكولياً بل إعلان نية لتغيير قواعد اللعبة في الجنوب وهو خطاب يريد أن يخرج السيادة من التنظير إلى التطبيق وأن يعيد للدولة حقها في حماية حدودها بقرارها وإذا استطاع الجيش أن يترجم هذه النية إلى فعل منضبط وفعال فسيكون لبنان قد خطا خطوة أولى نحو ترميم هيبته المفقودة وإعادة تعريف العلاقة بين المقاومة والدولة وبين الجنوب والسيادة.
*المقالات والآراء التي تنشر تعبّر عن رأي كاتبها*
