الهديل

اللواء الدكتور الحميدان: اعتراف سوريا بكوسوفو دبلوماسية سعودية تصنع التوازن

اللواء الدكتور الحميدان:
اعتراف سوريا بكوسوفو دبلوماسية سعودية تصنع التوازن

 

 

بقلم: اللواء الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميدان
منذ أن اعترفت المملكة العربية السعودية بدولة كوسوفو عام 2009 كانت الرياض من أوائل الدول الإسلامية التي منحت هذا البلد الناشئ دعمًا سياسيًا ومعنويًا عزز موقعه على الساحة الأوروبية لان ذلك الاعتراف لم يكن مجرد خطوة دبلوماسية بل انطلاقة لمسارٍ تنمويٍ طويل أثبتت فيه المملكة أن استقرار الدول لا يُبنى بالشعارات بل بالتنمية والمساندة الواقعية.
فقد أسهمت المملكة عبر الصندوق السعودي للتنمية في تمويل مشاريع حيوية للبنية التحتية في كوسوفو منها الطرق والمرافق الخدمية بينما واصل مركز الملك سلمان للإغاثة نشاطه الإنساني في دعم الأسر والأيتام وتقديم المساعدات الطبية والغذائية.
كما وقّعت المملكة اتفاقات نقل جوي وأطلقت رحلات مباشرة بين جدة وبريشتينا ما جعل الحضور السعودي في البلقان حضورًا تنمويًا وإنسانيًا ذا بعدٍ استراتيجي.
وفي تطورٍ نوعيٍّ يعكس الثقة الدولية بدور المملكة نجح صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء مؤخرًا في الحصول من الرئيس السوري أحمد الشرع على الاعتراف الرسمي بدولة كوسوفو في خطوةٍ دبلوماسية تاريخية تمت بوساطة سعودية ورعاية مباشرة من الرياض .
 وهذا الاعتراف السوري لم يكن مجرد حدث سياسي بل علامة على تحوّلٍ أوسع في هندسة العلاقات الإقليمية حيث أصبحت المملكة جسرًا للحوار بين الشرق الأوسط وأوروبا ومركز ثقلٍ في تفعيل ملفاتٍ كانت جامدة لعقود. لقد أعادت الرياض تعريف دورها كقوة استقرار إقليمي ودولي تجمع بين الحنكة السياسية والقدرة الاقتصادية والالتزام الإنساني لتؤكد أن نفوذها يقوم على بناء جسور التعاون لا على المنافسة أو الصراع.
وبهذا الاعتراف يبدو أن القيادة السورية الجديدة برئاسة الرئيس أحمد الشرع تسعى إلى ترسيخ نهج مختلف في مقاربة الملفات الإقليمية والدولية يقوم على الانفتاح والتعاون البناء مع القوى العربية الفاعلة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية فخطوات دمشق الأخيرة تعكس رغبة صادقة في إعادة تموضعها ضمن محيطها العربي والتأكيد على أن المصلحة القومية العليا للأمة العربية تتقدم على الاعتبارات الضيقة وفي هذا السياق تتقاطع رؤية القيادة السورية مع الرؤية السعودية الطموحة التي يقودها سمو ولي العهد والمبنية على تعزيز الاستقرار الإقليمي وتوحيد الجهود من أجل مستقبل عربي أكثر أمنًا وازدهارًا.
لهذا إنّ القول بأنّ (الاعتراف بكوسوفو ليس مجرد قضية سياسية بل حلقة استراتيجية في مشروع أكبر) يلخص جوهر السياسة السعودية الحديثة بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
فالمملكة تنظر إلى كوسوفو باعتبارها نقطة ارتكاز في مشروعٍ استراتيجيٍ أوسع يهدف إلى تعزيز النفوذ السياسي والاقتصادي الإسلامي في أوروبا من خلال دعم الاستقرار والتنمية في دول البلقان وتوسيع التعاون الدولي في مجالات الطاقة والتحول الرقمي والبنية التحتية بما ينسجم مع أهداف رؤية السعودية 2030 التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد وبناء شراكات عالمية جديدة.
كما أن هذا التوجه يعكس انتقال المملكة من الدبلوماسية التقليدية إلى دبلوماسية التنمية حيث تتحول السياسة إلى أداة للنمو ويتحوّل النفوذ إلى قيمة مضافة للشركاء.
حيث انه منذو الاعتراف الأول عام 2009 وحتى الاعتراف السوري الأخير عام 2025 تثبت المملكة العربية السعودية أنها قوة بناء واستقرار تجمع بين الأصالة والرؤية المستقبلية لان الرياض اليوم لا تمارس السياسة بمعناها التقليدي بل تصنع نفوذًا ناعمًا يقوم على التنمية والاحترام والتعاون الدولي لان المملكة من كوسوفو إلى أوروبا تؤكد أن قيادتها الجديدة لا تكتفي بتوسيع النفوذ بل تسعى إلى صياغة نظامٍ عالميٍّ أكثر توازنًا وعدالة حيث تكون التنمية هي لغة السياسة والمستقبل هو هدف الدبلوماسية.
@alatif1969

*المقالات والآراء التي تنشر تعبّر عن رأي كاتبها*

Exit mobile version