الهديل

خاص الهديل: مناورات “التصعيد المجنون” و”التبريد المفروض” قبيل انتقال المنطقة للمرحلة الثانية من خطة ترامب

خاص الهديل….

 

بقلم: ناصر شرارة

تقف كل منطقة الشرق الأوسط هذه الأيام عند مفترق انتظار انتقال خطة ترامب بشأن غزة من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية. وليس مبالغة القول أن كل المنطقة تنتظر ما سيحدث بخصوص مصير تفصيلين إثنين موجودين داخل المرحلة الأولى من خطة ترامب؛ وهما: تسليم رفاة الجثامين الأربعة المتبقين لدى حماس إلى إسرائيل وبالتالي إغلاق ملف الأسرى لدى حماس؛ والجزئية الثانية المستجدة داخل المرحلة الأولى هي اخراج ٢٠٠ مسلح من حماس عالقين في منطقة رفح التي تحتلها إسرائيل. وأي فشل يطرأ على معالجة هاتين الجزئيتين؛ فهذا سيعني أن حرب غزة ستبقى في المرحلة الأولى وأن تجددها سيصبح وارداً جداً؛ وهذا يعني أيضاً أن المنطقة ستعود بكل دولها إلى مرحلة ما بعد ٧ أكتوبر ٢٠٢٣؛ وأيضاً إلى مرحلة ما قبل اجتماع شرم الشيخ؛ أي مرحلة ما قبل إعلان ترامب وقف الحروب وجعل المنطقة تسير على طريق مؤلف من أربع مراحل؛ الأولى منها مخصصة لوقف الحرب والثانية لتمكين الاستقرار في غزة والثالثة والرابعة لتعميم الاستقرار على كل المنطقة عبر مشاريع إقليمية اقتصادية وأمنية وسياسية. 

ليس مضموناً أن ترامب سينجح؛ ولا أن إسرائيل ستلتزم حتى النهاية بخطة الأربع مراحل؛ ولكن في هذه اللحظة كل العيون شاخصة لمعرفة هل سينجح ترامب بنقل الوضع الدولي والإقليمي والفلسطيني – الإسرائيلي في غزة من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية.

بحسب أصل الخطة كان مفترضاً أن يتم إنجاز المرحلة الأولى بظرف ٧٢ ساعة؛ ولكن تعقيداتها اللوجستية جعلت ترامب يقر بضرورة منحها وقتاً أطول.

بقي الآن من الأسرى المفقودين ٤ رفاة في غزة، يتم البحث لإيجاد رفاتهم؛ وتشترط تل أبيب للبدء بالمرحلة بتسليمها آخر رفاة إسرائيلي لدى حماس أو الجهاد، الخ.. 

.. لكن الفكرة المهمة والأقل صعوبة رغم حساسيتها العالية؛ فهي تتمثل بوجود تفاوض دولي وإقليمي وفلسطيني إسرائيلي حالياً من أجل إخراج ٢٠٠ مسلح من حماس عالقين داخل المنطقة التي تحتلها إسرائيل (رفح).

يدور التفاوض في العمق حول ثلاث أفكار(!!) وليس حول ثلاث سيناريوهات للحل؛ وهذا ما دفع البيت الأبيض لإرسال ويتكوف وكوشنير للمجيء إلى إسرائيل ليواكبا التفاوض حول هذه الجزئية عن كثب وباهتمام:

الفكرة الأولى تتعلق بإيجاد ممر آمن يخرج منه هؤلاء المسلحين الـ٢٠٠ من المنطقة التي تحتلها إسرائيل في غزة إلى المنطقة التي لا تزال تسيطر عليها حماس في غزة. وإذا حصل الحل وفق هذا السيناريو فهذا سيثبت فكرة ستصبح معتمدة في المرحلة الثانية ومفادها الإقرار بتقسيم غزة بين منطقة تحتلها إسرائيل ومنطقة تتواجد فيها حماس بإذن من إسرائيل وبضمانة من واشنطن. 

الفكرة الثانية يمكن تلمس معالمها من واقع السيناريو الثاني المطروح لحل هذه المسألة؛ وقوامه أن إسرائيل تسمح للحماسيين الـ٢٠٠ بالمرور تحت أعين جنودها إلى المنطقة المسيطر عليها من قبل حماس؛ ولكن بشرط أن يخرج عناصر حماس الـ٢٠٠ من دون سلاحهم. إذا وافقت حماس على هذا السيناريو فإن هذا يثبت فكرة صالحة لتطبيقها في المرحلة الثانية بخصوص أن تدير حماس مناطقها من دون سلاح أو بسلاح خفيف.

حتى هذه اللحظة ترفض حماس مقايضة تجريد عناصرها من السلاح مقابل خروجهم بسلام من رفح إلى مناطقها في غزة؛ وبالمقابل إسرائيل تشترط منجاتهم بتجريدهم من السلاح؛ وأيضاً بتهجيرهم إلى دولة خارج غزة.. وبكل حال تطرح إسرائيل بخصوص عناصر حماس الـ٢٠٠ حلاً يناسب ذلك الحل الذي تريده لغزة في المرحلة الثانية؛ أي حل غزة من دون حماس مسلحة أو غير مسلحة؛ فيما حماس تقدم حلاً لمسألة مقاتليها الـ٢٠٠ يناسب تصورها لوجودها في غزة في المرحلة الثانية؛ وهو وجود مستتر سياسياً مع بقائها محافظة على سلاحها.

الفكرة الثالثة تتمثل بتلك التي تقدمها واشنطن كحل لمسألة مسلحي حماس الـ٢٠٠؛ وهو حل يشرح رؤية أميركا للمرحلة الثانية؛ ويمكن تلمسه من خلال عرض أبرز معطياته:

أولاً- البيت الأبيض أرسل كبار مبعوثيه إلى إسرائيل لحسم مسألة خلافية يفترض أنها غير أساسية؛ وهذا يعني أن واشنطن تعتبر هذه المشكلة فيها الكثير من الرمزيات التي تصلح لعكسها على لوحة حلول أزمات المرحلة الثانية. 

ثانياً- بمقابل طرحي نتتياهو وحماس تطرح واشنطن حلاً يوصي بأن تسمح إسرائيل لعناصر حماس بالمرور من الخط الذي تسيطر عليه إلى داخل الجزء الثاني من غزة الواقع عملياً تحت سيطرة حماس. وبعرضها هذا الحل تكون واشنطن تقول لإسرائيل التالي: يجب أن تقبل تل أبيب بالتعايش حتى إشعار آخر – وقد يصبح دائماً – مع حماس وذلك فوق جزء من غزة.

ثالثاً- الحل الذي تقدمه واشنطن لعناصر حماس الـ٢٠٠ يخدم من وجهة نظر كوشنير ومعه توني بلير فكرة أساسية وهي أن تصبح “غزة غزتان إثنتان”؛ واحدة غزة ريفييرا وتقع في المنطقة الشرقية وراء الخط الأصفر؛ والثانية غزة محرومة من كل شيء وتقع فوق الجغرافيا التي تسيطر عليها حماس.

التبرير الأميركي لخلق مثل هذا الواقع يقول أن المقصود ليس جعل منطقة الاحتلال مزدهرة والأخرى جحيم؛ بل جعل الفلسطيني يلمس الفرق بين خيار حماس وبين خيار المجتمع الدولي، ما سيشجعه على الذهاب للخيار الثاني حيث رفاهيته!!

من الصعب تصديق وعود الشركات الكبرى؛ وبنفس الوقت من الصعب أن تعود غزة لتكرار المعادلة عينها التي عاشتها قبل ٧ أكتوبر ٢٠٢٢؛ والبديل الوحيد والصحيح هو عودة غزة هاشم للضفة الغربية وعودة الضفة لغزة؛ وترشيد سلطة الحكم الفلسطيني على أساس وطني ومصالح الفلسطيني العليا.

Exit mobile version