اللواء الدكتور الحميدان: واشنطن تمهّد والرياض تفتح الطريق إلى دمشق
yasmin ahmad
اللواء الدكتور الحميدان:
واشنطن تمهّد والرياض تفتح الطريق إلىدمشق
بقلم: اللواء الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميدان
زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة واستقباله من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شكلت مؤشراً سياسياً بالغ الدلالة إذ فتحت الباب أمام مرحلة جديدة في مقاربة واشنطن تجاه دمشق وبدت بمثابة إعلان غير مباشر عن بداية فصل مختلف في العلاقات السورية الأمريكية والزيارة جاءت بعد سنوات من القطيعة والعداء.
علما بأن هذه الزياره لم تكون مجرد حدث بروتوكولي بل تمهيداً لقرار تعليق العقوبات الأمريكية جزئياً على سوريا لمدة 180 يوماً مع استثناء روسيا وإيران وهو قرار حمل في طياته أبعاداً سياسية تتجاوز المسار الاقتصادي المعلن فالمشهد بدت فيه واشنطن وكأنها تختبر شكلاً من التطبيع المشروط مع القيادة السورية الجديدة في إطار إعادة هندسة التوازنات الإقليمية دون المساس المباشر بالبنية الاستراتيجية للعقوبات أو بالموقف من النفوذ الروسي والإيراني.
وهذا التعليق يمثل تحولاً سياسياً عميقاً في الموقف الأمريكي إذ تسعى واشنطن إلى إعادة صياغة دورها في الملف السوري عبر أدوات ضغط أكثر مرونة تسمح بالتأثير دون التورط في مواجهة مفتوحة فهو ليس رفعاً للعقوبات بقدر ما هو اختبار سياسي لمدى قدرة السلطة السورية على الانفتاح والالتزام بشروط إعادة الاندماج الإقليمي والدولي مع الإبقاء على أوراق الضغط فاعلة لإجبارها على تقديم تنازلات سياسية محسوبة.
ولهذا يتضح ان استقبال ترامب للرئيس الشرع لم يكن مجاملة دبلوماسية بل إشارة واضحة بأن واشنطن باتت مستعدة للتعامل مع سوريا ضمن معادلة جديدة تشارك فيها قوى عربية وعلى رأسها السعودية كضامن لإعادة دمج دمشق في الفضاء العربي.
ولهذا ربما ان الولايات المتحدة تسعي من خلال هذه الخطوة إلى تقليص نفوذ روسيا وإيران عبر إدخال فاعلين عرب إلى الساحة السورية ودعم سياسة المملكة العربيه السعودية التي اصبحت اللاعب الأبرز في مسار إعادة التموضع لان دور الرياض لم يعد رمزياً أو دبلوماسياً بل اتجه نحو شراكة سياسية واقتصادية تعيد سوريا إلى المجال العربي ضمن توازن جديد يقلص ارتباطها بالمحاور الأخرى ويمنح المنطقة نفوذاً عربياً أكثر تماسكاً ومن هذا المنظور تمثل السعودية رأس حربة في مشروع إعادة التعريب السياسي لسوريا لا لمساندة النظام فحسب بل لإعادة تشكيل ملامح الإقليم بأكمله وإعادة إنتاج توازن عربي فاعل في مواجهة المحاور المتصارعة.
أما دمشق فتجد نفسها أمام معادلة دقيقة فهي تحاول استثمار القرار لتعزيز شرعيتها واستعادة بعض الاعتراف الدولي لكنها مطالبة في الوقت نفسه بإظهار تغير سياسي ولو محدود لتجنب إعادة فرض العقوبات والمفارقة أن أي انفتاح عربي سيقابله توجس روسي وإيراني خشية فقدان النفوذ مما يجعل سوريا ساحة توازنات أكثر منها دولة مستقلة في قرارها السياسي.
أما على الصعيد الداخلي فإن التعليق يمنح النظام مساحة للحديث عن العودة والانفتاح لكنه لن يحدث فرقاً حقيقياً في حياة السوريين ما لم يترجم إلى إصلاحات واقعية ومصالحة وطنية تعيد الثقة بين الدولة والمجتمع.
وفي الجوهر لا يعد القرار الأمريكي خطوة إنسانية بقدر ما هو تحريك لحجر سياسي في لوحة إقليمية معقدة وهو اختبار مزدوج لمدى استعداد النظام السوري للتكيف مع واقع جديد تقوده واشنطن والرياض أكثر مما تحدده موسكو وطهران ولإرادة العرب في استعادة سوريا إلى بيتها السياسي دون الوقوع في فخ إعادة إنتاج الأزمات القديمة وإذا ما استثمر هذا التعليق كمنصة لإعادة توازن حقيقي بين السيادة والانفتاح فقد يكون بداية تحول سياسي فعلي يعيد لسوريا موقعها الطبيعي في النظام العربي أما إن استخدم لترميم الشرعية الشكلية فستبقى سوريا عالقة بين نظام لا يتغير وعالم يعيد رسم خرائطه من حولها.