خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
يحتاج لبنان إلى عملية تدقيق عميقة بالمرحلة التي يوجد فيها الآن.. هناك أسئلة تطرح نفسها على صناع القرار اللبناني؛ منها على سبيل المقال لا الحصر: هل فعلاً الرئيس أحمد الشرع سبق الرئيس جوزاف عون إلى البيت الأبيض؟؟. هذا السؤال يطرحه الشارع كما تطرحه أروقة سياسية محترفة. حتى توم براك في كثير من المرات قال أن سورية سبقت لبنان في الصعود إلى القطار الدولي والإقليمي الذاهب لمحطة التسويات الكبرى في المنطقة!!
هناك أجوبة لبنانية على هذه الأسئلة؛ يقول أحدها أنه في سورية – رغم كل المشاكل – يوجد رئيس واحد يقرر ويدير دفة حكم البلد لكن في لبنان يوجد رؤوساء وليس رئيساً واحداً ويوجد قرارات وليس قراراً واحداً؛ وهذا الواقع هو الذي جعل الشرع يدخل أمس البيت الأبيض، بينما الرئيس جوزاف عون لم يلتقِ ترامب بعد.
ما تقدم يعني أن القرار السياسي في لبنان صعب أن الديموقراطية اللبنانية فيها حريات كما يقول سليم الحص بأكثر مما فيها إنتاجية وطنية للمؤسسات الديموقراطية.
ثمة أسئلة أخرى أعمق تطرح نفسها على لبنان، ومنها هل واشنطن في مرحلة ما بعد شرم الشيخ أصبح لديها في غزة وجهة نظرها مستقلة عن نتنياهو بل وحتى تمليها عليه؛ بينما في لبنان ينفذ لنتنياهو وجهة نظر مستقلة عن ترامب بل ويمليها عليه؟؟.
هناك حالياً انقسام داخل لبنان بخصوص الإجابة عن هذا السؤال؛ قسم يقول أن ترامب لا يريد حرباً جديدة إسرائيلية مع لبنان؛ وهذا ما يجعل نتنياهو يكتفي بتصعيد محسوب. وقسم آخر يقول إن نتنياهو نجح بمقايضة ترامب؛ فأعطاه وقف الحرب في غزة وأخذ منه ضوء أخضراً لتصعيد متدرج ضد لبنان سيصل مع الوقت إلى جولة قتال لأيام حسب المصطلح الاسرائيلي الشائع حالياً.
من يصدق لبنان؛ هل يثق بأن ترامب يلجم نتنياهو؛ أم يصدق مقولة إن نتنياهو قايض ترامب ضد لبنان؟؟.
والواقع أنه ضمن استعراض المعادلات المطروحة، فإن أخطرها كما ظهر مؤخراً يتمثل بالتالي:
أولاً- القول أن إسرائيل بعد الانتهاء عسكرياً من غزة ستتفرغ للبنان. هذه النظرية برزت منذ اليوم الأول لحرب طوفان الأقصى واستمرت موجودة على طاولة الكابينت طوال الحرب واليوم عادت للظهور من جديد. ومن وجهة نظر خبراء عسكريين؛ فقد مثلت “مناورة الجليل” إحدى التعبيرات الدالة على انتقال الثقل العسكري الإسرائيلي من الجبهة الجنوبية إلى الجبهة الشمالية مع لبنان..
ثانياً- هناك اعتقاد مصدره خبراء عسكريون يقولون أن الحرب الإسرائيلية على لبنان مرت بثلاثة “تقديرات للموقف” لدى صانع القرار الإسرائيلي السياسي والاستخباراتي والعسكري الإسرائيلي: التقدير الأول أنها – أي الحرب ضد حزب الله – “حتمية” نظراً لظروف موضوعية كثيرة تتعلق بواقع نشاط حزب الله العسكري في لبنان؛ وتتعلق بحسابات على صلة بالحرب المحتملة على إيران.
التقدير الثاني أجرى تحديث على التقدير الاول؛ فأصبح مفاده: “الحرب حتمية ومنع نشوبها مستحيل”.
.. أما التقدير الثالث وهو الموجود على طاولة الكابينت اليوم، فمفاده الحرب حتمية لكون أسبابها معقولة؛ بمعنى آخر فإن عنوان التقدير الإسرائيلي الحالي هو التالي: يتعين خوض “حرب لأسباب معقولة”؛ أي أن أسباب إسرائيل للخروج للحرب مبررة؛ ويقبل بها الطرف الأميركي فيما لو سمعها وناقشها مع الجانب الإسرائيلي.
ولكن ما هي هذه الأسباب المعقولة – بحسب تل أبيب – التي تجعل الجميع (أميركان وغير أميركان) يقتنع بأن الحرب ضد حزب الله حتمية ولا يمكن منعها ويجب خوضها:
السبب الأساسي “المعقول” – دائماً حسب إسرائيل – يقول إن الحزب يبني قوته بوتيرة أسرع من عملية نزع سلاحه وهدم قوته. وعليه المطلوب تغيير منهجية العمل ضده وتصعيدها – ودائماً حسب كلام الدراسات والمقالات الإسرائيلية.
السبب الثاني “المعقول” يقع في أن حزب الله يثبت قدرة على تجاوز أزمته وعليه فإن هناك خطراً يتمثل بأنه فيما لو لم يتم توجيه ضربة ثانية قاتلة له فإنه سيتعافى ويعود لذات قوته السابقة.
.. طبعاً يمكن إيراد الكثير من الأسباب التي تطلق عليها إسرائيل أنها أسباب معقولة بمعنى أنها منطقية؛ وفي حال سمعها الغرب وبخاصة “السيد الأميركي” فهو سوف يقتنع بها.
بالمقابل لا يوجد لدى لبنان لائحة لا بالأسباب المعقولة ولا غير المعقولة التي تصلح أن يقدمها للعالم وبخاصة للأميركي حتى يقتنع بأن نتنياهو ليس على حق بخصوص ما يقوله تجاه لبنان وحزب الله.. ولكن هذه المشكلة تقع مسؤوليتها على طبيعة حال لبنان ونظامه.. وهنا قد يصح – ولو بحذر – العودة للملاحظة التي تقول أن الدولة في لبنان تتحدث بأكثر من لسان وبأكثر من رأي وقرار؛ ولو أنه كان للدولة اللبنانية لسان واحد، كما الشرع في سوريا، لكان الحال اختلف!!.


