خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
منذ وقف النار في قطاع غزة غيرت إسرائيل سرديتها تجاه موقفها من الوضع في لبنان عدة مرات؛ والمرة الأخيرة كانت أمس حيث عكس الإعلام الإسرائيلي طبيعة النقطة الراهنة والمستجدة في تفكير المستوى السياسي والأمني الإسرائيلي تجاه حزب الله.
وتميز تقدير الموقف الإسرائيلي هذا الجديد في أنه جاء من جهة بعد خطاب الشيخ نعبم قاسم؛ وأنه صدر من جهة ثانية كتعليق على ما ورد في خطاب الشيخ نعيم، واعتبار إسرائيل ان ما قاله الشيخ قاسم يعتبر موقفاً جدياً لحزب الله يحمل مؤشرات جديدة، وبالتالي يبنى عليه موقفاً إسرائيلياً جرى تحديثه لجهة انه حمل عناصر جديدة أقل تصعيداً قياساً بتلك التي صبغت موقف إسرائيل منذ وقف النار في غزة حتى أول أمس؛ وتحديداً حتى ما قبل خطاب الشيخ نعيم قاسم.
النقطة الأولى في التقدير الإسرائيلي الجديد الذي عكسته وسائل الإعلام العبرية جاء كتعليق على خطاب الشيخ قاسم، وركزت على أمر أساسي وهو القول “ان الخطاب مهم” وأنه “يجب النظر إليه بجدية”.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه هذه أول مرة يعكس فيها الإعلام الإسرائيلي وجهة نظر للمستوى السياسي والأمني الإسرائيلي تصف فيه خطابات الشيخ قاسم بأنها مهمة؛ وبالعادة كانت القيادة الإسرائيلية لا تتوقف عن خطابات الشيخ نعيم قاسم؛ وتولي أهمية أكبر لتصريحات صادرة عن شخصيات أخرى في الحزب.
النقطة الثانية البارزة في رد فعل إسرائيل على خطاب الشيخ قاسم هو وجود استنتاج جديد لدى المستوى القيادي الإسرائيلي مفاده أن تهديدات أمين عام حزب الله التي جاء فيها أن الحزب لن يصبر طويلاً على الاغتيالات التي تقوم بها إسرائيل ضد عناصره؛ إنما قصد الشيخ نعيم من خلال إطلاقها أن يرسل نداء للعالم كي يتدخل للضغط على إسرائيل كي توقف ضرباتها ضد لبنان والحزب وذلك بأكثر من أن الشيخ نعيم قصد انه يهدد إسرائيل.
.. ولكن بالمقابل فان موقف إسرائيل الرسمي حسبما عكسه الإعلام العبري، لا يستبعد أن يقوم حزب الله برد جزئي على استمرار إسرائيل بتوجيه ضربات له؛ ولكن هذا الرد – والكلام دائماً للمصادر الإعلامية الإسرائيلية – سيحرص على عدم أن يؤدي إلى تفجير حرب مفتوحة وشاملة، وعليه قد يكون متوقعاً أن تنشب جولة قتال لأيام بين إسرائيل وحزب الله.
ويرى تقدير الموقف الإسرائيلي أن الشيخ قاسم طالما هدد بالرد؛ ولكن تهديده هذه المرة تأخذه تل أبيب على محمل الجد؛ وتنظر بجدية أكثر إلى قراءته كرسالة من الشيخ قاسم للعالم كي يتدخل لإيقاف إسرائيل عند حد.
النقطة الثالثة التي ركز عليها التقدير الأحدث لإسرائيل بخصوص وضع لبنان، تشي بوجود توجه مستجد لدى تل أبيب بأن لا يكتفي الجيش اللبناني بالبحث عن صواريخ حزب الله في الأنفاق الموجودة في المناطق المفتوحة بل يجب التركيز بمستوى أكثر على تفتيش بيوت وحقول عناصر حزب الله!!.
النقطة الرابعة في تعليق إسرائيل على خطاب الشيخ قاسم، وهي الأهم، كونها تكمل النقطة الأولى التي تظهر تقليل التصعيد في لهجة إسرائيل بخصوص مقاربتها لملف حزب الله؛ ذلك انه بعد ان تقول النقطة الأولى ان تهديدات الشيخ قاسم جدية؛ إلا ان بنية خطابه بالمجمل تظهر انه يرسل نداءات للعالم كي يوقف اعتداءات إسرائيل بأكثر من أنه يرسل تهديداً لاسرائيل؛ فإن النقطة الثالثة المكملة للنقطة الأولى تقول التالي: ان حزب الله موجود حالياً داخل معادلة مفادها ما يلي: “الحزب يرمم وضعه ولكنه لا يزال بعيداً كثيراً عن بلوغ نقطة القوة التي كان عليها قبل ٧ أكتوبر 2023.. وعليه – ودائماً بحسب التقدير الإسرائيلي الجديد – فإن الحزب لا يزال يمتلك قوة ولا يزال يعمل على تهريب صواريخ لصالح ترسانته عن طريق سورية، إلا أن الحزب رغم كل ما تقدم لم يعد يخيف إسرائيل؛ لأنه لن يستطيع العودة إلى نقطة قوته السابقة؛ وسبب ذلك هو نجاح إسرائيل باغتيال الصف الأول من قادته السياسيين والعسكريين.
ويلاحظ في هذه الجزئية أن إسرائيل بدأت تغير مصطلحاتها الأمنية والسياسية تجاه لبنان وموقفها من حزب الله؛ فعلى مدار الشهر الماضي وحتى بدايات الشهر الحالي، كانت إسرائيل تتحدث عن أن الحزب يراكم قوته بأسرع مما تقوم إسرائيل بتخريب قوته، ويجمع أسلحة بأكثر مما يستطيع الجيش اللبناني نزع صواريخه. أما الآن فإن تقدير الموقف الإسرائيلي يركز على أن الحزب يرمم قوته ولكنه لن يستطيع أن يصبح مجدداً مصدر تخويف لإسرائيل؛ أو أن يسترجع قوته التي كان عليها قبل ٧ أكتوبر ٢٠٢٣.
مصادر مهتمة وقلقة من احتمال حدوث عمل عسكري إسرائيلي ضد لبنان توقفت بعناية عند الطريقة التي قرأت بها إسرائيل خطاب الشيخ نعيم قاسم؛ وذلك كون هذه القراءة حملت ثلاثة مستجدات لا بد من التمعن بخلفياتها: المستجد الأول هو اعتبار إسرائيل لأول مرة كلام الشيخ نعيم قاسم مهم وأنه يجب أخذ تهديداته وكلامه عل محمل الجد.
المستجد الثاني هو اعتبار تهديدات الشيخ قاسم هدفها الأساس هو إيصال نداء للعالم كي يضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاته على لبنان؛ بأكثر من أنه يرسل تهديداً لإسرائيل..
المستجد الثالث هو انتقال إسرائيل من إعلان تخوفها من تعاظم قوة حزب الله إلى إبداء قناعة تقول ان الحزب حالياً ومستقبلياً هو في حالة يرمم قوته ولكنه لم يعد يخيف إسرائيل.
