الهديل

اللواء الدكتور الحميدان: ماذا تريد السعودية من لبنان؟

اللواء الدكتور الحميدان: ماذا تريد السعودية من لبنان؟

 

بقلم: اللواء الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميدان
منذ استقلال لبنان عام 1943م احتفظت السعودية بعلاقة مميزة معه قامت على الدعم السياسي والاستقرار الإقليمي والوقوف إلى جانب الدولة اللبنانية في أصعب محطاتها. فقد كانت المملكة من أوائل الدول التي اعترفت بلبنان المستقل وبنت معه علاقات قائمة على الاحترام المتبادل ودعم الاقتصاد اللبناني عبر استقبال الأيدي العاملة اللبنانية وفتح أسواقها أمام الإنتاج اللبناني وتشجيع الاستثمارات المتبادلة. وفي مراحل الاضطراب التي شهدها لبنان خلال الحرب الأهلية لعبت السعودية دوراً محورياً في الدفع نحو حل سياسي شامل توج باتفاق الطائف عام 1989 الذي رعته المملكة وأسّس لمرحلة جديدة من السلم الأهلي وبناء مؤسسات الدولة. وبعد الطائف واصلت الرياض دعمها للبنان عبر مؤتمرات المانحين والمساعدات المالية وإعادة إعمار المناطق المتضررة من الحروب إضافة إلى مواقفها الواضحة في حماية استقرار لبنان في مواجهة التوترات الإقليمية. هذه اللمحة التاريخية تختصر علاقة طويلة اعتمدت فيها السعودية نهجاً ثابتاً يقوم على الوقوف مع الدولة اللبنانية وشعبها وسيادتها وتشجيع الاستقرار والتنمية ورفض تحويل لبنان إلى ساحة صراع على حساب شعبه.
تتعامل السعودية مع لبنان دائما ودوما بمنظور الواقعية والهدؤ والذي يقوم على الرغبة في رؤية دولة مستقرة قادرة على النهوض بمؤسساتها وتجاوز أزماتها بعيداً عن صخب الاصطفافات والصراعات التي أنهكت البلد لسنوات طويلة. لان السعودية لا تبحث عن نفوذ عابر ولا عن مكاسب مؤقتة بقدر ما تسعى إلى استعادة لبنان لدوره الطبيعي ضمن محيطه العربي وإلى بناء علاقة تقوم على الاحترام المتبادل والاستقرار والتنمية التي تخدم الشعب اللبناني قبل أي طرف آخر.
إن ما تريده السعوديه من لبنان هو أن تكون دولة قوية تمتلك قرارها السيادي وتستطيع أن تدير الأزمات الداخلية من موقع مؤسساتي لا من بوابات الفوضى أو السلاح المتفلت. وفي سياق هذا التوجه الواضح تعتبر السعودية أن الدولة اللبنانية يجب أن تكون الجهة الوحيدة التي تمتلك السلاح وقرار السلم والحرب لأن حصرية القوة بيد الدولة تشكل الأساس الطبيعي لاستقرار أي بلد ولضمان عدم تكرار التجارب التي دفعت لبنان إلى أزمات متتالية. فالسلاح عندما يكون بيد المؤسسات الشرعية يصبح أداة حماية وعندما يتجاوز الدولة يتحول إلى أداة صراع وتوتر دائم.
وتريد السعودية من لبنان شريكاً صادقاً يقدر العلاقات التاريخية التي ربطت الشعبين ويترجم ذلك عبر سياسات رسمية واضحة تحترم مصالح الطرفين. لهذا دعمت المملكة لبنان طويلاً ووقفت معه في محطات مفصلية ليس بدافع سياسي ضيق بل لإيمانها بأن لبنان المتنوع والمبدع والمنتج هو إضافة للمشرق العربي بأسره. ولذلك فإن الرياض اليوم تبحث عن شراكة تقوم على النتائج لا على الوعود وعلى الإصلاح الفعلي لا على التجميل السياسي. والمملكة تريد ايضا أن ترى خطوات عملية في مكافحة الفساد وإصلاح المؤسسات وتحريك الاقتصاد لأن هذه الخطوات هي وحدها القادرة على إنقاذ لبنان وبالتالي تحويل أي دعم خارجي إلى استثمار ناجح وفاعل.
كما تنظر السعودية إلى لبنان من زاوية اقتصادية أيضاً ليس لتحقيق مصالحها فقط بل لخلق مساحات تعاون حقيقية تفيد الطرفين. فالمملكة في مرحلة تنموية كبرى ضمن رؤية 2030 تبحث عن فرص وشراكات في كل المنطقة ولبنان يفترض أن يكون أحد المستفيدين الطبيعيين من ذلك بحكم طاقاته البشرية وقطاعه الخاص المرن. وفي الوقت ذاته فإن السعودية ترغب في بيئة لبنانية مستقرة تمنع تسلل التهريب والجريمة المنظمة وتمنح الاقتصاد اللبناني فرصة التعافي والتصدير والعمل في أسواق الخليج بأمان وثقة.
وبعد كل ما مر به لبنان خلال السنوات الماضية بات واضحاً بالنسبة للسعودية أن دعمها الحقيقي له يمر عبر تعزيز الاستقرار الداخلي والحوار السياسي ورفع مستوى حضور الدولة وليس عبر دعم طرف ضد آخر. لانها تريد لبناناً موحداً لا ساحة تجاذب إقليمي وتريده محكوماً بالمؤسسات لا بالتوترات. ومن هذا المنطلق فإن أي انفتاح سعودي على لبنان يأتي اليوم لإعادة بناء الجسور وليس لإدارة الصراعات ولإعادة لبنان إلى موقعه العربي وليس لاستخدامه منصة لملفات خارجية.
وفي العمق ما تريده السعودية من لبنان هو ببساطة لبنان الذي يعرفه العرب ويقدرونه. لبنان الثقافة والانفتاح لبنان المبادرة والعمل لبنان الدولة لا الدويلات. تريد المملكة شريكاً مستقراً يمكن البناء معه لا دولة مأزومة يكتفى بدعمها مالياً دون رؤية واضحة. وتريد قبل كل شيء أن ترى الشعب اللبناني ينهض من أزماته لأن استقرار لبنان هو جزء من أمن المنطقة ولأن نجاح لبنان علامة صحة في المشهد العربي العام.
باختصار السعودية تريد من لبنان أن يكون نفسه دولة عربية مستقلة قادرة منفتحة ومستقرة تملك وحدها السلاح وقرار الحرب والسلم وتعيد الاعتبار لمؤسساتها. وفي المقابل هي مستعدة لتقديم ما يلزم من دعم سياسي واقتصادي وإنساني شرط أن يكون لبنان هو صاحب القرار في إنقاذ نفسه وأن يضع استقراره فوق كل اعتبار .
@alatif1969
Exit mobile version