الهديل

اللواء الدكتور الحميدان: ماذا قدّمت المملكة للبنان خلال العقود الماضية؟

اللواء الدكتور الحميدان:
ماذا قدّمت المملكة للبنان خلال العقود الماضية؟

 

بقلم: اللواء الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميدان
بعد طرح السؤال في المقال الأول حول ماذا تريد السعودية من لبنان؟ والذي نشر بتاريخ 14 نوفمبر 2025 يبرز سؤال آخر لا يقل أهمية عن السوال الاول وهو ماذا قدّمت المملكة للبنان خلال العقود الماضية؟.
في الحقيقة ان السعوديه قدّمت الكثير ولم يكن دعمها مرتبطاً بحسابات آنية أو مكاسب سياسية ضيقة بل نابعاً من قناعة بأن لبنان المستقر هو مصلحة عربية مشتركة وأن حماية الدولة اللبنانية هي أساس الحفاظ على استقلال قرارها وقدرتها على مواجهة أزماتها. ولهذا سوف أوجز بلمحة عابرة عن ما قدمته السعودية للبنان في الآتي:
أولا: دعم ممتد منذ اتفاق الطائف
حيث شكّل اتفاق الطائف الذي رعته المملكة عام 1989 محطة مفصلية في تاريخ لبنان الحديث. فالرياض لم تكتفِ بدور الوساطة بل استمرت بعد الاتفاق في مواكبة مراحل بناء مؤسسات الدولة دعماً لعودة السلم الأهلي وإطلاق عجلة التعافي الاقتصادي. وقد ساهمت المملكة عبر التعاون المباشر أو من خلال الصندوق السعودي للتنمية في تمويل مشاريع إنمائية أساسية شملت البنى التحتية والخدمات العامة وإعادة إعمار مؤسسات تضررت خلال سنوات الحرب بهدف تعزيز قدرة الدولة على النهوض مجدداً وتكريس حضورها على كامل الأراضي اللبنانية.
ثانيا: وقفة إنسانية وتنموية خلال الأزمات
لقد مرّت على لبنان محطات صعبة أبرزها حرب تموز 2006 حيث بادرت المملكة إلى تقديم مساعدات إغاثية عاجلة تلتها برامج واسعة لإعادة الإعمار ودعم العائلات التي تضررت من الحرب. وفي السنوات الأخيرة ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية واصل مركز الملك سلمان للإغاثة تقديم مساعدات إنسانية وغذائية وطبية شملت جميع المناطق اللبنانية دون استثناء.
ثالثا: أبرز المشاريع السعودية في لبنان (تفصيل كامل):
1- مشاريع إعادة الإعمار بعد حرب 2006
والذي يعتبر من أكبر برامج الدعم السعودي للبنان وشملت إعادة بناء 10 آلاف وحدة سكنية في الجنوب والضاحية ما سمح بعودة عشرات آلاف العائلات إلى بلداتها خلال فترة قياسية. كما شملت إعادة تأهيل 200 كيلومتر من الطرقات وإصلاح الطرق الرئيسية والفرعية التي تضررت بالقصف وإعادة تركيب محولات كهربائية وصيانة أعمدة وشبكات توزيع ودعم محطات رئيسية في الجنوب بالإضافة إلى إعادة إعمار عشرات المدارس الرسمية وتأمين تجهيزاتها.
2- مشاريع دعم البنى التحتية والخدمات العامة
من خلال الصندوق السعودي للتنمية شملت المشاريع دعم قطاع المياه مثل مشروع سدّ جنّة ومشاريع الضخ والري في الشمال والبقاع إلى جانب دعم قطاع الكهرباء من خلال توفير محولات وتجهيزات لمحطات الإنتاج وصيانة شبكات النقل والتوزيع. كما ساهمت المملكة في إعادة تأهيل طرقات وجسور حيوية في عدة محافظات.
3- الدعم التعليمي
تضمن بناء وترميم مدارس رسمية في الجنوب والبقاع والشمال وتجهيزها بمختبرات وأجهزة كمبيوتر وأثاث مدرسي. كما وفرت المملكة منحاً دراسية لطلاب لبنانيين في جامعات سعودية في مجالات تقنية وعلمية ومهنية.
4- الدعم الصحي والطبي
شمل إعادة تأهيل مستشفيات حكومية مثل مستشفى بنت جبيل والنبطية وطرابلس وتوفير الأدوية الأساسية وأجهزة التصوير والتشخيص. كما نفّذت المملكة حملات تلقيح للأطفال ووفرت عيادات متنقلة وخدمات صحية في المناطق الأكثر حرماناً.
5- دعم الجيش والقوى الأمنية
تضمن هبات عسكرية وتجهيزات منها سيارات ميدانية وأجهزة اتصالات ومعدات مراقبة إلى جانب برامج تدريب بالتنسيق مع جهات دولية بهدف تعزيز قدرات الجيش على مكافحة الإرهاب وحماية الحدود.
6- المساعدات الإنسانية المباشرة
خلال الأزمة الاقتصادية الأخيرة نفّذت السعودية برنامج الأمن الغذائي عبر توزيع مئات آلاف السلال الغذائية وتقديم مساعدات نقدية ودعم الخبز في مناطق معينة. كما دعمت المستشفيات بالأدوية والمستلزمات وقدّمت مساعدات للنازحين والمجتمعات المضيفة بالتنسيق مع الأمم المتحدة.
رابعا: دعم المؤسسات الشرعية وتعزيز دور الدولة
حرصت السعودية على دعم المؤسسات الرسمية اللبنانية وفي مقدمتها الجيش والقوى الأمنية إدراكاً منها بأن الاستقرار يبدأ من مؤسسات موحدة وشرعية وقادرة لا من توازنات السلاح أو الصراعات الداخلية.
خامسا: مساندة سياسية ودبلوماسية تحفظ لبنان
عملت الرياض على إبقاء لبنان ضمن دائرة الاهتمام العربي والدولي وعلى دعم مشاركته في مؤتمرات المانحين وفي حماية موقعه السياسي رغم التحديات والصراعات المحيطة به.
سادسا: دعم مقرون بالإصلاح لمصلحة لبنان أولاً، تؤكد المملكة أن أي دعم مستقبلي يجب أن يترافق مع إصلاحات حقيقية تعيد الثقة بالدولة ومؤسساتها لأن نجاح المساعدات يرتبط بإدارة شفافة وبنية حكومية سليمة لا بظروف سياسية مؤقتة.
سابعا: رؤية إنسانية تضع اللبناني أولاً
ترى السعودية أن مساعدة لبنان واجب أخوي قبل أن تكون موقفاً سياسياً وأن الوقوف مع الشعب اللبناني في أزماته جزء من العلاقة التاريخية والثقافية التي تجمع البلدين.
وفي الخلاصة إن التفاصيل الكثيرة للمشاريع السعودية في لبنان تعكس حقيقة راسخة أن المملكة لم تقف يوماً موقف المتفرج بل قدمت دعماً واسعاً للدولة اللبنانية ولشعبها في أصعب الظروف. وقد انطلق هذا الدعم دائماً من نهج مبدئي ثابت بعيد عن أي مكاسب أو مصالح خاصة تجسيداً لقناعة المملكة بأن الوقوف إلى جانب لبنان واجب تجاه شعب تجمعها به روابط أخوة صادقة ورغبة حقيقية في رؤية هذا الوطن مستقراً ومزدهراً. كما تواصل المملكة اليوم بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء جهودها الحثيثة لدعم استقرار لبنان وشعبه ودفعه نحو مستقبل أكثر أمناً وازدهاراً. وهي مستعدة للاستمرار في هذا النهج شرط أن تتوحد الإرادة اللبنانية حول مشروع الدولة وأن تبقى المصلحة الوطنية هي الأساس في كل خطوة نحو المستقبل.
@alatif1969
Exit mobile version