خاص الهديل…

بقلم: ناصر شرارة
يوجد اتجاه تفكير سياسي قديم في لبنان يعتقد بثقة أن وضع لبنان الداخلي هو شديد الشبه بوضع العراق الداخلي؛ حتى أن بعض أنصار هذه النظرية يقول إذا أردت أن تعرف ماذا سيحصل داخل لبنان فعليك أن تعرف ماذا حصل داخل العراق.
ومن ناحية عامة يبدو أن العراق ذا المساحة الكبيرة والغني بثراوته، مختلف عن لبنان؛ ولكن أصحاب نظرية تشابه الوضعين الداخلي اللبناني والعراقي يوصون بمقاربة هذا الموضوع من زوايا أخرى؛ أهمها تشابه التركيبة الداخلية الفسيفسائية اللبنانية العراقية؛ أضف أن العراق اليوم يحكم بعرف أقوى من الدستور، وهو عرف يوزع في العراق – كما في لبنان – الرئاسات الأساسية الثلاث على المذاهب الكبرى؛ وفي المشهد الداخلي العراقي كما في المشهد الداخلي اللبناني، يوجد عامل إيراني وارتباطه بالمكون الشيعي في البلدين، ويوجد تنافس بين دول في المنطقة ويوجد حشد شعبي شيعي مسلح وسياسي عراقي بمقابل حزب الله الشيعي اللبناني، ويوجد الإطار التنسيقي الشيعي العراقي بمقابل الثنائي الشيعي اللبناني؛ وانتخابياً يوجد وزن للشيعة في البلدين؛ وهنا في لبنان كما في العراق توجد ظاهرة هامة ولافتة متشابهة قوامها اعتكاف مستمر منذ سنوات للسيد مقتدى الصدر عن الحكم وعن خوض الانتخابات؛ علماً أنه يمثل أكبر كتلة شعبية شيعية في العراق، تماماً كما في لبنان يوجد ظاهرة اعتكاف مزمنة عن الحكم وعن الانتخابات للرئيس سعد الحريري؛ علماً أنه يمثل أكبر كتلة شعبية سنية في لبنان..
والواقع أن عناوين التشابه بين الوضع الداخلي لكل من العراق ولبنان كثيرة وتتفاعل تقريباً ولحد بعيد داخل ذات المعادلات الإقليمية والداخلية.
وفيما لو أراد التحليل الوارد في هذه السطور التالية اعتناق نظرية التشابه الداخلي بين لبنان والعراق، وأيضاً السير على هدى تصديق مقولة أن من يريد معرفة ماذا سيحدث في لبنان عليه معرفة ماذا حدث في العراق؛ حينها يصبح بالإمكان الاعتماد على قراءة مشهد نتائج الانتخابات العراقية لاستنتاج ما سيكون عليه مناخ الانتخابات اللبنانية والنتائج التي ستسفر عنها!؟.
وتماشياً مع هذه المنهجية التي لا تخلو من المغامرة في التحليل؛ يمكن إيراد الاستنتاجات التالية:
أولاً- لم يلاحظ أن إدارة ترامب مارست تدخلاً ملموساً أو ذات شأن في التأثير على سير الانتخابات العراقية ونتائجها؛ علماً أنه في العراق كما يحدث الآن في لبنان توقع كثيرون أن مارك سايافا مبعوث ترامب للعراق والذي جاء تعيينه قبل أيام من الانتخابات سيقف على باب غرف صناديق الاقتراع ليوصي بعدم التصويت لجماعات إيران العراقيين.
هناك نظرية برزت بشدة الآن تقول ان إدارة ترامب لم يكن وليس لها سقف توقعات بما يخص عملية الانتخابات؛ بل هي لها مجموعة مطالب تخص الحكومة العراقية القادمة وأبرز مطالبها حصرية السلاح لصالح الدولة أي تفكيك الفصائل العراقية المسلحة التابعة لإيران..
وانسياقاً مع إسقاط السلوك الذي اتبعته إدارة ترامب مع انتخابات العراق على ما سيكون عليه موقفها من انتخابات لبنان يمكن الاستنتاج بشكل مبكر أن الإدارة الأميركية ليس لها سقف توقعات بما يخص حصرياً الانتخابات في لبنان بل للإدارة الأميركية مجموعة مطالب تخص الحكومة العراقية القادمة أبرزها العمل على تنفيذ مبدأ حصرية السلاح واتخاذ إجراءات لها علاقة بخنق الشريان المالي الخاص بحزب الله.
ثانياً- الانتخابات العراقية أسفرت عن تقدم لصالح الرئيس محمد الشياع السوداني ويليه تكتل فصائل شيعية مؤيدة لإيران. وعليه فإنه على المستوى الشيعي هناك ضبابية في تصنيف موقع السوداني داخل معادلة تجاذبات العراق الإقليمية؛ بمعنى هل هو تقاطع إيراني أميركي أم أنه في الفترة الأخيرة أصبح أقرب لواشنطن.. وعليه فإن تصنيف السوداني الملتبس مرشح لأن يخلق خلافات داخل الإطار التنسيقي مما سيؤدي إلى تأجيل تشكيل الحكومة العراقية لعدة أشهر كما حصل بعد انتخابات ٢٠٢١.
هذه الجزئية التي لها علاقة بنتائج الانتخابات على المستوى الشيعي العراقي؛ ينظر إليها بعض المراقبين بوصفها ستكون هي النتيجة المحتملة للانتخابات على المستوى الشيعي في لبنان، أي أن الثنائي الشيعي سيزيد من نسبة التصويت لصالحه التي سيحصل عليها في انتخابات العام المقبل؛ قياساً بما حصل عليه في الانتخابات الماضية؛ ولكن قد يبرز تناقض بداخله – كما الآن في العراق – وذلك بخصوص تسمية رئيس الحكومة وتشكيلة الحكومة؛ علماً أن واشنطن لم تهتم في العراق بمسار الانتخابات لأن اهتمامها ينحصر فقط بمطالب لها من الحكومة، بمقدمها حصرية السلاح والقطاع المصرفي.
ثالثاً- الفكرة الرئيسة الموجودة في إدارة ترامب بخصوص العراق يوجد لها تتمة أيضاً بخصوص موقف ترامب من لبنان.. ومفاد هذه الفكرة إبداء عدم اكتراث أميركي بالبلدين نظراً لأن تركيبتيهما الداخلية لا تنتج تغييراً ونظراً الوضع فيهما (سردية وضعهما الأمني المعتمدة عالمياً) لا يشجع على الاستثمار؛ فمثلاً أي مسؤول أميركي يزور العراق أو لبنان يصطدم بحقيقة أن عليه عدم الاكتفاء بلقاء نظيره في هذين البلدين، بل عليه القيام بجولة على كل الممثلين الأساسيين للأحزاب فيهما؛ لأن كل واحد من هؤلاء لديه اتجاه وعلاقات ووجهة نظر ومصالح. والواقع أن المستثمرين وأصحاب القرار السياسي لا يحبذون إدارة أعمالهم بهذه الطريقة؛ سيما وأن الرأسمال يحب الشفافية والمركزية ووضوح هوية المتحدث إليه لا تشعبه.
كل ما تقدم يشي بتشابه بين ما حدث ويحدث وما قد يحدث في العراق وبين ما حدث وما قد يحدث في لبنان، سواء على مستوى نتائج الانتخابات حيث الوزن الشيعي المقرب من إيران ظل يتصدر الواجهة؛ مع إضافة أن الإطار التنسيقي الممثل للشيعة والذي يوازيه في لبنان الثنائي الشيعي، يشهد صراعات بداخله بين ثلاثة اتجاهات مما سيطيل فترة عملية إنتاج تسمية رئيس الحكومة الأمر الذي يكرر ما حدث عام ٢٠٢١ حينما استغرقت عملية تشكيل الحكومة عدة أشهر. والسؤال هل هذه التفاصيل الهامة ستحدث أيضاً في لبنان بعد الانتخابات المقبلة؟؟.

