الهديل

المشهد يشهد….

المشهد يشهد…

بقلم الدكتور سامر سوبرة

في بلدٍ تتعمّق فيه التباينات السياسية والطائفية، وتشتد فيه الاصطفافات وتتنازع فيه القوى على تفاصيل يومية، جاءت طيران الشرق الأوسط، بقيادة رئيس مجلس الإدارة المدير العام محمد الحوت، لتقدّم مشهداً لبنانياً غير مألوف، يشبه تلك اللقطات النادرة التي تُعيد للناس شيئاً من ثقتهم بوطنهم.

الاحتفال الضخم بمرور ثمانين عاماً على تأسيس الميدل إيست جمع أكثر من 1500 شخصية من كل الاتجاهات: وزراء، نواب، دبلوماسيون، رؤساء هيئات، رجال أعمال، شخصيات من مختلف الطوائف… جميعهم جلسوا في القاعة نفسها، يتبادلون التحيات، دون خطوط تماس، ودون التشنجات التي تُميّز الحياة السياسية اليومية.

هذا المشهد وحده كان كافياً ليتوقف الحوت أمامه قائلاً عبارته اللافتة: «المشهد يشهد».

والمشهد فعلاً يشهد.

يشهد أن اللبنانيين قادرون على الجلوس معاً عندما تكون الإدارة محترمة.

يشهد أن المؤسسات، حين تكون مهنية وغير خاضعة للمحاصصة، تستطيع أن تجمع ما تفرّقه السياسة.

ويشهد قبل كل شيء أن محمد الحوت بات اليوم واحداً من الأشخاص القلائل القادرين على فرض مستوى من الاحترام والجدية على الجميع، بعيداً عن المناورات اليومية التي تُغرق البلد.

 

ففي وقتٍ تعاني فيه المؤسسات الرسمية من التحديات، وتتهالك الخدمات، وتزداد التعقيدات، بقيت الميدل إيست تعمل كساعة سويسرية: أسطول حديث، انتظام كامل، شفافية مالية، مستوى خدمات عالمي، وصورة مشرقة في ظل بلد يفتقد الكثير من المقومات.

 

وفي خلفية المشهد، يحضر اسم الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لا ليطغى على النجاح الحالي، بل ليُذكّر بأن بعض الخيارات السياسية كانت – وما زالت – خيارات ناجحة. فالحريري، الذي امتلك قدرة استثنائية على التقاط الكفاءات، اختار محمد الحوت يوم كان يؤسس لمفهوم الدولة الحديثة..

في عيدها الثمانين، فعلت الميدل إيست أكثر من الاحتفال بتاريخها. قدّمت نموذجاً. قالت إن لبنان الذي يعلو فوق خلافاته لا يزال موجوداً، وإن المؤسسات القوية تستطيع أن تصنع مساحة وطنية في ظلّ بيئة منقسمة.

المشهد يشهد…

ومحمد الحوت يشهد، بعمله وإنجازاته، أنّ القيادة الصادقة قادرة على جمع لبنان حين يعجز الآخرون عن ذلك.

 

Exit mobile version