خاص الهديل…

بقلم: ناصر شرارة
أطلقت إسرائيل أمس النار على قوات من اليونيفيل في منطقة عمليات القرار ١٧٠١؛ وعلى بعد ساعات قليلة من هذه الحادثة، سيقدم المندوب الأميركي لمجلس الأمن مشروع قرار لتشكيل قوة استقرار دولية لتنتشر في قطاع غزة.
لا شك أنه يوجد بين هذين الأمرين أو الحدثين ربط وصلة؛ وقد يكون هذا الربط تقصدته إسرائيل وإما أن طبيعة الأحداث الجارية في المنطقة أوجدت صلة موضوعية بينهما؛ وبالحالتين فإن النتيجة واحدة؛ وهي أن أساس فكرة نشر قوات دولية في مناطق الاشتباك مع إسرائيل، خاطئة وغير عملية؛ ويعود سبب ذلك – ببساطة – لكون إسرائيل لا تحترم ولا تريد أن تعمل قوات دولية في المنطقة لأن ذلك سيحد من تغولها وإجرامها وسيجعل هذه القوات شاهدة عيان ضدها.. وكل هذه الأسباب تجعل تل أبيب تميل لأن تجعل أية قوة دولية تنتشر على حدود عدوانها في المنطقة بمثابة “شاهد ما شفش حاجة..”.
لا شك أن حادثة يوم أمس التي قامت خلالها دبابة ميركافا إسرائيلية بإطلاق النار على جنود من اليونيفيل كانوا يسيرون بالقرب من موقعهم على أقدامهم؛ لم يكن لها من الناحية الأمنية أي مبرر. وكانت الحادثة متعمدة لدرجة أن العذر الذي قدمه الإسرائيليون لتبريرها كانت عذراً أقبح من ذنب، حيث ادعوا أن دبابة الميركافا المجهزة بأحدث أنظمة الاستشعار لم تستطع أن تميز هوية جنود اليونيفيل مما دفع طاقمها لإطلاق النار عليهم..
يكفي إدراج هذا الاعتذار الكاذب ليظهر أن ما حصل لم يكن حادثاً بل كان اعتداء موصوفاً..
كما أن توقيت الاعتداء الإسرائيلي على اليونيفيل يفضح الأسباب الرئيسة الكامنة وراءه: من جهة هناك توقيت لافت لهذا الاعتداء وهو أنه يأتي قبل ساعات من تقديم واشنطن مشروع قرار نشر قوة استقرار دولية في غزة. ومعروف أن هذا المشروع يواجه ملاحظات روسية صينية متحفظة، ويواجه أيضاً عدم حماس من الدول التي مطلوب منها إرسال جنود لتشارك في قوة الاستقرار؛ ذلك أن هذه الدول تخشى من فكرة إرسال جنودها إلى منطقة لا تزال أحداثها جارية ولا تزال بالتالي في حالة عدم استقرار سياسي وأمني حاد. وضمن هذا السياق يجب النظر إلى التوقيت الذي اختارته إسرائيل لإطلاق النار على اليونيفيل في جنوب لبنان؛ فتل أبيب تريد القول لأعضاء مجلس الأمن وللدول المعنية بالمشاركة في قوة الاستقرار أن عليهم جميعاً أن يأخذوا بالحسبان أن تجارب بعثات السلام الدولية العسكرية إلى الشرق الأوسط هي تجارب محفوفة بالمخاطر وغير ناجحة ومن الأفضل عدم الدخول في هذه المغامرة؛ وتريد إسرائيل أن تقدم حادثة إطلاق الميركافا للنار أمس على جنود اليونيفيل، كأحدث دليل للذين سيجتمعون اليوم في مجلس الأمن لمناقشة تشكيل قوة الاستقرار؛ ومضمون هذا الدليل أن الهدف الذي تسعون إليه سينال نفس المخاطر التي يتعرض لها اليونيفيل في الجنوب.
.. وبهذا المعنى فإن إسرائيل أمس صاغت معادلة قديمة – جديدة عنوانها: الميركافا بديل بعثات قوات السلام.
ومن جهة ثانية تريد إسرائيل القول لدول اليونيفيل أنه من الأفضل لها الاستعجال بتطبيق قرار مجلس الأمن بسحب جنودها قبل حلول مهلة نهاية العام الأخير على وجودها في جنوب لبنان؛ ذلك أن سوء الأحوال السياسية والأمنية وليس الجوية تتعاظم كثافة خطورتها في منطقة عمليات الـ١٧٠١.
وبالخلاصة فإن منطق الميركافا لا يزال أقوى من محاولات إعادة عقارب الساعة في المنطقة إلى اللحظة التي سبقت ٧ أكتوبر ٢٠٢٣؛ أضف أن إسرائيل تريد إعادة المنطقة إلى أجواء لحظة السابع من حزيران ١٩٦٧…

