بقلم اللواء الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميدان
يشهد تنظيم القاعدة في اليمن لحظة مفصلية بعد صدور بيان لقيادات منشقّة يتهم القيادة العليا بارتكاب جرائم داخلية شملت التصفيات والإخفاء القسري ومصادرة الأموال مع الدعوة إلى محاكمة من تورّط في تلك الانتهاكات.
هذا التحول غير المسبوق يعبّر عن تراجع شرعية القيادة وانهيار معادلة الطاعة التي شكّلت عموده التنظيمي سنوات طويلة.
ويأتي الانشقاق في وقت يعاني فيه التنظيم من إنهاك شديد نتيجة الضربات الجوية والعمليات العسكرية التي أفقدته معاقله التقليدية في أبين وشبوة وحضرموت إلى جانب خسائر بشرية وقيادية متعاقبة أدت إلى اضطراب مركز القرار وتحوله من كيان منظم إلى خلايا مشتتة تتحرك بسرّية عالية.
كما تشهد بنيته توترات بين جناح متشدد يميل إلى العنف المفتوح وآخر براغماتي يتهم القيادة بسوء الإدارة والدخول في صراعات استنزفت التنظيم وأضعفت حضوره بين المجتمعات القبلية.
وتبرز في هذا السياق تقديرات استخباراتية تتحدث عن وجود قنوات لوجستية عابرة للحدود يُعتقد أن بعض عناصر التنظيم استفادوا منها بطرق غير مباشرة عبر شبكات تهريب معقدة ترتبط بأطراف متعددة من بينها جهات مرتبطة بإيران رغم نفي طهران لذلك وعدم وجود دلائل علنية حاسمة ما يجعل هذا الملف محاطًا بقدر كبير من الغموض.
علما بأن اللغة المستخدمة في بيان المنشقين توحي بأن التنظيم لم يعد قادرًا على ضبط صفوفه وأن الهالة العقائدية التي كانت تصنع تماسكه تتآكل أمام شكاوى أعضائه أنفسهم. وقد يؤدي ذلك إلى انشقاقات جديدة أو نزاعات داخلية أكثر عنفًا مع احتمال لجوء القيادة إلى مزيد من التصفيات بدعوى محاربة الخيانة.
وعلى المستوى اليمني يحمل هذا التصدع وجهين متناقضين. فمن جهة قد يشكل فرصة لتفكيك التنظيم عبر استثمار شهادات المنشقين في برامج نزع التطرف وكسب عناصر إضافية إلى خارج دائرة العنف. ومن جهة أخرى قد يفتح الباب لظهور مجموعات أصغر وأكثر فوضوية تمزج بين الجريمة المسلحة والخطاب المتشدد دون مشروع واضح.
ورغم أن الحديث عن نهاية القاعدة في اليمن ما يزال مبكرًا فإن المؤشرات توحي ببداية مرحلة أفول واضحة يفقد فيها التنظيم مركزية القيادة وقدرته على التجنيد والتأثير الاجتماعي ليتحول تدريجيًا من فاعل مهيمن في بعض مناطق النفوذ إلى خلايا مشتتة تعمل تحت ضغط أمني ومجتمعي متزايد. وإذا أحسن اليمن استثمار هذه المرحلة فقد تكون هذه الانشقاقات الشرخ الأكبر في البنية التاريخية لتنظيم ظل لعقود من أعقد التحديات الأمنية في البلاد.
