خاص الهديل.. .
أتى مؤتمر بيروت 1 ليعطي بارقة أمل كبيرة للّبنانيين؛ ومع ذلك، ومن باب الحرص عليه فقط، لا بد من الإشارة السريعة إلى ملاحظة عرضية تتعلق بشخص واحد ليس أكثر، يشغل موقعاً محدداً في الجهة المنظمة. لعلّه نسي أو تناسى ضرورة أن يبقى هذا المؤتمر بلا ثغرات، خصوصاً أنه يحمل فرصة نادرة لإطلاق مسار اقتصادي مختلف.
الثغرة هنا ليست كبيرة، ولا مستحيلة الحل، بل على العكس تماماً: معالجتها بسيطة، وإبعادها عن المشهد كفيل بأن يسمح للمسار الذي انطلق اليوم بأن يستمر بكل الزخم والإيجابية التي وعد بها.
فمؤتمر بيروت 1 جاء محمّلاً بتوقعات عالية، وخلق انطباعاً بأن مرحلة جديدة بدأت فعلاً، مرحلة تقوم على استقطاب الاستثمارات وإعادة بناء الثقة بشيء من الواقعية والوضوح. لكن المتابع الدقيق لا يمكنه أن يغفل أن مقاربة التنظيم لم تكن على مستوى اللحظة، وأن بعض التفاصيل التي يفترض أن تكون محسومة مسبقاً ظهرت فجأة كفجوات غير مبررة في حدث يفترض أن يكون نموذجاً للجدية.
ورغم أن الصورة العامة للمؤتمر كانت إيجابية، إلا أن المضمون كشف عن فجوة واضحة بين الطموحات الضخمة والواقع الاقتصادي القاسي. فالوعود العريضة حضرت بكثافة، لكن أوراق العمل التفصيلية غابت، وكأن الجهة المسؤولة عن التحضير اكتفت بالشعارات بدل تقديم خطة متكاملة تحتاجها البلاد أكثر من أي وقت مضى.
كما أن اختيار التوقيت أثار تساؤلات مشروعة، إذ بدا أن الرغبة في إطلاق المؤتمر تفوقت على ضرورة قراءة الظروف بدقة. وهذا ما جعل التوقعات تصطدم بواقع سياسي واقتصادي لا يحتمل المجازفة. ولا يمكن تجاهل أن الافتقار إلى التنظيم الأكثر احترافية انعكس على طريقة عرض المشاريع، التي بقيت بمعظمها في خانة الإعلانات العامة بدل الخطط القابلة للتنفيذ.
ومع ذلك، فإن نجاح المؤتمر يبقى أمراً ممكناً جداً. بل هو مرجّح، شرط أن تُعالج تلك الثغرة الصغيرة التي يعرفها الجميع، من دون الحاجة لذكر أسماء. فالتخلّي عن الأسلوب الاستعراضي، وتقديم رؤية واقعية، وترتيب البيت الداخلي بقدر أكبر من الجدية… كلها عوامل كافية لتثبيت المسار الجديد الذي انطلقت أولى خطواته اليوم.
ويبقى الأمل أن تكون هذه الملاحظة العارضة آخر ما يحتاجه المؤتمر من تصحيح، وأن ينطلق فعلاً نحو ما ينتظره اللبنانيون: عمل جدّي، وخطط واضحة، وقيادة تعرف تماماً أن النجاح يبدأ من التفاصيل.