الهديل

اللواء الدكتور الحميدان: الدور السعودي يعيد تشكيل الموقف الأمريكي من فلسطين

 

بقلم اللواء الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميدان

لم يكن تبني الولايات المتحدة مشروع قرار في مجلس الأمن يتضمن إشارات صريحة أو مضمرة إلى المسار المؤدي لحل الدولتين تحولاً عارضاً أو مجرد تعديل لغوي في الخطاب الدبلوماسي .

 

بل جاء نتيجة تراكم ضغوط استراتيجية لعبت فيها المملكة العربيه السعودية بقيادة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز دوراً محورياً بفضل الجهود السياسية التي قادها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي أعاد وضع مستقبل القضية الفلسطينية في قلب هندسة التوازنات الإقليمية الجديدة.

 

ولقد فرضت الرياض معادلة مختلفة على واشنطن بأمن الشرق الأوسط واستقراره لا يمكن بلوغهما من دون معالجة سياسية جادة لحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة وهو ما جعل أي حديث عن ترتيبات أمنية أو مشاريع تطبيع إقليمي مشروطاً بإحياء الدولة الفلسطينية بوصفها عنصراً تأسيسياً في منظومة الاستقرار الإقليمي.

 

وقد جاء التحول الأمريكي أيضاً تحت ضغط بيئة دولية متغيرة أضعف فيها استمرار الحرب في غزة صورة الولايات المتحدة الأخلاقية وحجّم قدرتها على قيادة نظام دولي تزعم أنه يقوم على قواعد ملزمة للجميع.

 

ومع توسع الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية وصعود موقف أوروبي أكثر استقلالاً في بعض العواصم إضافة إلى نتائج مؤتمرات دولية منها مؤتمر حل الدولتين بنيويورك أعادت إحياء حل الدولتين بوصفه خياراً لا يمكن تجاوزه ووجدت واشنطن أن الاستمرار في تعطيل أي مسار عبر الفيتو لم يعد خياراً بلا كلفة.

 

ومع ذلك حاولت الإدارة الأمريكية الفصل السردي والإعلامي بين قرارها في مجلس الأمن وتأثير الضغط السعودي حرصاً على ألا يُفهم التحول بوصفه نتيجة إملاء خارجي أو مقايضة سياسية تمس صورتها الاستراتيجية.

 

كما ان إسرائيل من جهتها رأت في الموقف الأمريكي الجديد مصدر تهديد استراتيجي لان الحكومة اليمينية الحالية ترى أن أي صياغة أممية تجعل حل الدولتين مرجعية قانونية قابلة للتراكم تمثل خطراً على مشروعها الاستيطاني وترتيباتها في الضفة الغربية.

 

وقد برز القلق الإسرائيلي من إمكانية استخدام القرار في المستقبل كأساس لملاحقات سياسية وقانونية أو موجات جديدة من الاعترافات الدولية بفلسطين حتى إن طبقة من المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية باتت تحذر من أن تجاهل المزاج الدولي الجديد قد يضع تل أبيب في عزلة متزايدة يصعب احتواؤها بثقل اللوبيات التقليدي وحده.

 

وأما السلطة الفلسطينية فقد وجدت نفسها أمام تحول يعيد إليها مجالاً للتنفس السياسي بعد سنوات من التآكل الدبلوماسي لان صدور القرار يمنحها رصيداً تستخدمه في استعادة موقعها التفاوضي وتعزيز شرعيتها الدولية شريطة أن تنجح في إصلاح بنيتها الداخلية وتوسيع قاعدة تمثيلها الوطني بما يتجاوز الجمود التنظيمي والأزمة الثقة القائمة بينها وبين جزء واسع من الشارع الفلسطيني ورغم الترحيب الحذر تدرك السلطة أن القرار لا يحسم جوهر الملف لكنه يضع لبنة إضافية في بناء شرعية متراكمة لفكرة الدولة الفلسطينية داخل البنية القانونية الأممية.

 

وأما حركة حماس فقد تعاملت مع القرار من زاوية مغايرة إذ اعتبرت أنه لا يلبّي الحد الأدنى من متطلبات الشعب الفلسطيني لأنه لا ينص صراحة على إنهاء الاحتلال ولا يضمن دولة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.

 

ووفق خطاب الحركة فإن أي مقاربة دولية تغفل جذور الصراع بما فيها الاستيطان وحق العودة ورفع الحصار تمثل إعادة إنتاج لمسار تسوية غير عادل.

 

ومع ذلك فإن تجاهل التحول الدولي بالكامل قد يضع الحركة على هامش الترتيبات المحتملة لمرحلة ما بعد الحرب في غزة والضفة معاً ما يجعل موقفها مركباً بين رفض مضمون القرار والحذر من خسارة موقعها في صياغة المعادلة السياسية المقبلة.

 

وبعد صدور القرار وتبني واشنطن له بات واضحاً أن حل الدولتين انتقل من حيّز الخطاب الدبلوماسي المعلق إلى مرحلة جديدة من الإسناد الدولي وأن إسرائيل لم تعد قادرة على الاعتماد المطلق على الفيتو الأمريكي كأداة لتعطيل أي صيغة قانونية تعترف بالحق الفلسطيني بالدولة.

 

كما اكتسبت الرياض موقعاً تفاوضياً أعلى في هندسة الأمن الإقليمي بعدما أثبتت قدرتها على التأثير في مخرجات السياسة الأمريكية بصورة لا تقتصر على الطاقة أو الاقتصاد بل تشمل إعادة تشكيل شروط إدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي نفسه.

 

واما الأثر السياسي العميق لهذا التحول يتمثل في خروج الدولة الفلسطينية من دائرة الانتظار التاريخي إلى دائرة الشرعية الدولية المتراكمة.

 

ولكن المسار لا يزال طويلاً ومعقّداً لكن جوهر اللحظة الراهنة بأن كلفة تجاهل حق الفلسطينيين في دولة لم تعد صفراً وأن الولايات المتحدة لم يعد بإمكانها الاكتفاء بلغة رمادية لا تلزم نفسها ولا تقيّد إسرائيل.

 

لهذا لقد أصبح حل الدولتين للمرة الأولى منذ سنوات جزءاً من هندسة توازن القوة في المنطقة لا مجرد بند تفاوضي مؤجل .

 

وفي قلب هذه التحولات يبرز الدور السعودي باعتباره عاملاً استراتيجياً غيّر معادلة الحسابات الأمريكية وأعاد تعريف موقع القضية الفلسطينية داخل معادلة الاستقرار الإقليمي بحيث لم يعد من الممكن بناء مستقبل الشرق الأوسط بمعزل عن الدولة الفلسطينية مهما اختلفت مسارات التنفيذ أو طال زمن الوصول إليها.

@alatif1969

Exit mobile version