بقلم اللواء الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميدان
منذ طرحت واشنطن مشروع قرار في مجلس الأمن لنشر قوة دولية في غزة ظهرت حركة حماس في موقع الرافض أو المتحفظ على المقترح معتبرة أنه استبدال لدور الفلسطينيين وتدخل في إدارة القطاع.
غير أن السؤال الذي ينبغي مناقشته بعيداً عن الانفعالات هو هل يتماشى هذا الرفض مع مقتضيات اتفاق غزة ومتطلبات المرحلة الانتقالية التي يطالب بها الفلسطينيون أنفسهم.
برأيي الإجابة الأقرب إلى الواقع هي لا لان جوهر اتفاق غزة كما يروج له دولياً وإقليمياً يقوم على إنشاء بيئة أمنية تمنع العودة إلى الصراع وتمكن من إعادة الإعمار واستعادة الحياة المدنية وهذا لا يمكن تحقيقه في ظل ازدواجية أمنية أو بقاء سلاح خارج منظومة القرار الفلسطيني الموحد.
وبالتالي فإن رفض حماس قد يصطدم منذ البداية مع الركيزة الأساسية لأي اتفاق قابل للتطبيق وهي وجود سلطة أمنية واحدة يمكن للقوى المانحة التعامل معها وضخ الموارد عبرها.
ولا يتعلق الأمر هنا بموقف مؤيد أو معارض لسلاح حماس بحد ذاته بل بمدى قدرة الحركة على قراءة اللحظة السياسية كما هي لا كما تريدها لان غزة اليوم ليست في موقع يسمح بتعطيل مسار قد يشكل فرصة نادرة لوقف الانهيار الإنساني والاقتصادي لان الحركة تخشى على وزنها ودورها .
ولكن من حق سكان غزة أيضاً أن يحصلوا على أفق جديد يخرجهم من كارثة متكررة منذ سنوات لإن رفض حماس يقوم على تقدير يرى أن القوة الدولية قد تتحول إلى وصاية أو إدارة بديلة ولكن السوال هل لهم الحق في ذلك؟.
لان مواجهته بالرفض المطلق يعرض القطاع لتجميد سياسي طويل ويمنح المجتمع الدولي ذريعة للقول إن الفلسطينيين غير جاهزين لإدارة مرحلة انتقالية ويفتح الباب لاسرائيل على مصراعية لتدمير ماتبقى من غزة بينما تظهر دول عربية استعداداً لدعم ترتيبات أمنية مؤقتة لتفادي الفوضى وأكثر من ذلك .
وهذا الموقف يعزز الانطباع بأن الحركة تقدم أولوية الحفاظ على نفوذها التنظيمي على حساب الأولوية الوطنية الأوسع وهي إعادة توحيد القرار الفلسطيني وتوفير أرضية مشتركة لدولة مستقبلية قابلة للحياة.
لانه لايمكن لاي اتفاق أن يكون قابلاً للعيش إذا ظل خاضعاً لتوازنات سلاح متعددة لان غزة دفعت ثمناً باهظاً ولا تزال.
وفي هذه المرحلة تبدو الحاجة ملحة إلى خيارات براغماتية ربما تكون مؤلمة ولكنها ضرورية ولهذا فان المطلوب من حماس أن تتخلى عن رؤيتها أو تاريخها وأن تتعامل بواقعية مع مأزق سياسي وأمني وإنساني لا يمكن الخروج منه بالخطاب وحده.
لإن استمرار الرفض بهذه الصيغة يهدد بإضاعة اللحظة السياسية ويضع الاتفاق في حالة موت سريري قبل أن يولد ويعيد إنتاج الدائرة ذاتها هدنة – انهيار – حرب جديدة ثم البحث عن اتفاق آخر.
وإذا كانت حماس ترى نفسها جزءاً من مستقبل فلسطين فهي معنية بأن تكون جزءاً من الحل لا نقطة تعطيل فيه لانها لا تحتاج إلى شعارات إضافية بل تحتاج طريقاً آمناً إلى المستقبل وكل طرف يساهم في إغلاق هذا الطريق أياً كان اسمه أو موقعه سيكون جزءاً من المشكلة لا من الحل.
@alatif1969

