اللواء الدكتور الحميدان: هيبة القرار السعودي تقود السودان إلى مسار الاستقرار
yasmin ahmad
اللواء الدكتور الحميدان:
هيبة القرار السعودي تقود السودان إلى مسار الاستقرار
بقلم: اللواء الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميدان
يشكل السودان اليوم واحدة من أكثر الأزمات تعقيدًا في المنطقة بعد أن تحول النزاع الداخلي إلى حرب مفتوحة أتت على المدن والقرى وحصدت أرواح الأبرياء في مجازر فاقت حدود الوصف.
وفي لحظة يتصارع فيها السلاح وتغيب الدولة عن معظم أقاليمها برزت خطوة لافتة من ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز عبر دعوته الصريحة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتدخل بهدف وقف الحرب ووضع حد للنزيف. وهذه الخطوة لم تكن مجرد تواصل سياسي بل رسالة واضحة بأن المملكة قررت الانتقال من إطار المحاولات التقليدية إلى دور أكثر حزمًا ووضوحًا.
علما أن التحرك السعودي يعكس قراءة دقيقة لطبيعة المأزق السوداني لان الصراع بات أكبر من قدرة القوى المحلية على احتوائه وتداخلت فيه حسابات إقليمية معقدة لا تسمح بحلول سطحية أو مفاوضات شكلية.
لذا جاءت دعوة ولي العهد للرئيس ترامب كجزء من مسار سعودي يرى أن التدخل الأميركي المباشر بشموله السياسي والاقتصادي أصبح ضرورة لفرض وقف إطلاق النار وتهيئة بيئة يمكن أن تسمح ببناء سلام حقيقي.
ومهما اختلف المراقبون حول شخصية ترامب أو سياساته إلا أن حضور الولايات المتحدة في هذا الملف يبقى عنصرًا حاسمًا قد يغير توازنات المشهد.
ولهذا فان السعودية تتعامل مع الأزمة السودانية بمنطق الدولة المسؤولة لا بمنطق حسابات النفوذ. فالمملكة التي تتصدر جهود الاستقرار الإقليمي وتعمل على إحلال السلام في محيطها لانها تدرك تمامًا أن ترك السودان ينزلق أكثر نحو الفوضى سيولد موجات نزوح ويهدد أمن البحر الأحمر ويفتح الباب أمام قوى لا ترغب المنطقة في توسعها. ومن هنا يتحول الدور السعودي من مجرد وسيط إلى قوة إقليمية تسعى إلى إنقاذ السودان من الانهيار عبر استخدام ثقلها السياسي وتوازن علاقاتها مع الأطراف كافة.
واللافت في هذا أن الحراك السعودي يأتي في وقت وصلت فيه الثقة الشعبية السودانية بالجهود الدولية إلى أدنى مستوياتها نتيجة تكرار الوعود وانعدام النتائج. لكن الرياض بخطوتها الأخيرة أعادت إحياء الأمل بإمكانية خلق مسار مختلف مسار يضع وقف الحرب أولًا ثم يوجه الجهود نحو بناء عملية سياسية لا تقصي أحدًا ولا تستسلم لمعادلات القوة على الأرض. فالسعودية تمتلك القدرة على جمع الفرقاء السودانيين وتمتلك أيضًا الإمكانات الاقتصادية التي تجعلها شريكًا طبيعيًا في إعادة إعمار ما دمرته الحرب.
أما دعوة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لترامب فهي ليست مجرد نقطة ضغط بل جزء من استراتيجية سعودية شاملة تعطي الأولوية لاستقرار المنطقة وتؤمن بأن السودان إذا عاد إلى مسار الدولة سيفتح بابًا واسعًا للتعاون العربي اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا.
وكثيرون في السودان يرون أن دخول الرياض بثقلها قد يكون التحول الأكبر في مسار الحرب منذ بدايتها خاصة أن المملكة أظهرت في السنوات الأخيرة قدرتها على تحويل الملفات المستعصية إلى فرص للتهدئة والتسوية.
وفي لحظة يخيم فيها الخراب على السودان تقدم السعودية نموذجًا لدور عربي فاعل ومسؤول يضع حماية الشعب السوداني فوق الحسابات الضيقة ويستثمر العلاقات الدولية والإقليمية لفتح نافذة أمل جديدة. وإذا ما نجحت هذه الجهود في خلق أرضية لوقف النار فإن التاريخ سيسجل أن قرارًا سعوديا شجاعًا بني على رؤية واضحة قد أعاد للسودان فرصة النجاة في زمن كانت كل الطرق تؤدي فيه إلى الهاوية.