خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
يوجد عدة زوايا حادة لواقعة إقدام اسرائيل على اغتيال هيثم الطبطبائي؛ إحداها وأكثرها خطورة هي أن الموساد لا يزال – للأسف – يقيم داخل غرفة نوم حزب الله؛ بمعنى أن الاختراق الأمني الإسرائيلي للحزب لا يزال كبيراً رغم مرور نحو عام على اكتشاف الحزب ذاته أنه مخترق أمنياً من قبل إسرائيل على نحو كبير.
عندما شاع خبر اغتيال هيثم الطبطبائي أول وأسرع انطباع تولد عند أي مراقب؛ هو موضوع الاختراق الأمني الإسرائيلي داخل حزب الله؛ والواقع أن هذه الجزئية الجوهرية تستدرج عدة مقارنات تهدف إلى إظهار ماذا يعني عملياً أن تكون المقاومة تعيش في بيت من دون سقف، وأن تتموضع في ميدان اكتشف العدو معظم تفاصيله. صحيح أن كل جهة مهما بلغت قوتها معرضة للاختراق الأمني من قبل عدوها؛ ولكن ما هو غير صحيح وغير طبيعي أن يكون هذا الاختراق من دون سقف ومن دون حدود، وأن يكرر العدو المرة بعد المرة نفس النجاح وبذات السهولة؛ من دون أن يتم مقابلة ذلك بإبداء أي رد فعل يثبت أن الجهة المستهدفة تعلمت ولو شيئاً قليلاً من الأخطاء الأمنية السابقة. مثلاً خلال العدوان الإسرائيلي على الدوحة تبين أن حماس أو البلد المضيف لها، لديه حواجز تعمل ضد الاختراق الأمني الاسرائيلي؛ فالموساد ظهر أنه لا يعرف بدقة عن حركة الهدف إلا بحدود معينة؛ وظهر أنه بعد ضرب الهدف لم يكن لديه قدرة على معرفة ماذا أصابت ضربته بالتحديد؛ والسبب أنه لم يكن لدى الموساد ثغرة أمنية كبيرة تمكنه الولوج منها لتحديد أين يوجد الهدف بنسبة مئة بالمئة؛ ولم تكن لديه على الأرض عملاء يرصدون النتائج التي أسفر عنها العدوان بعد وقوعه. أما بخصوص واقعة اغتيال الطبطبائي؛ وقبلها السيدين نصر الله وصفي الدين وشكر، الخ.. فقد عرف الموساد أين الهدف بدقة مئة بالمئة؛ وعرف بدقة بعد ضرب الهدف ماذا حصل له؛ ولذلك هو سبق؛ ولا يزال يسبق الحزب في إعلان النتائج التي حققتها عملية الاغتيال التي قام بها أمس والتي يستمر بالقيام بها منذ نحو عام!!!
السؤال عند حزب الله هو ما الحل للخروج من بيت فخ الموساد وما الطريقة لإنهاء حالة الاختراق الكبرى الموجودة داخل حزب الله؟؟.
.. نفس هذا السؤال كان طرحه على نفسه قائد حماس يحيى السنوار بعد خروجه من السجن؛ حينها شكّل منظمة داخل حماس كلفها بمهمة تصفية عملاء الشاباك المنتشرين بكثافة داخل غزة وداخل حماس. لقد تبين لحماس من خلال تجربة السنوار أن تطهير جسد الحركة من عملاء الموساد هو مهمة صعبة وتحتاج لخطة مركبة تجمع بين القمع والإعدامات وبين إعطاء حماس ذاتها لمجتمعها نموذج عنها تتقبله بيئتها وتدافع عنه.
.. وماو تسي تونغ كان أيضاً شغله موضوع تحصين المقاومة من اختراقات العدو لها؛ فتحدث عن السمكة التي هي المقاومة وعن بحيرة الماء التي تسبح فيها السمكة والتي هي مجتمع المقاومة أي المواطنين؛ وخلص لنتيجة تقول ان السمكة أي المقاومة لا تستطيع أن تعيش خارج الماء أي بيئة المقاومة الشعبية. وعليه يجب أن يكون هناك علاقة طبيعية بين السمكة والماء؛ والمقصود بالعلاقة الطبيعية هي اقتناع السمكة بأن البحيرة هي حياتها وأن مصالحها هي غاية أهدافها؛ واقتناع البحيرة بأن السمكة التي تسبح فيها تمثل مصالحها وتدافع عن أهدافها…
وخلال الحرب الباردة تحدثت نظريات المخابرات الغربية عن أهمية تجفيف بحيرة ماو تسي تونغ حتى تموت السمكة من تلقاء ذاتها. والواقع أنه من هذه الروافد القديمة المستقاة من تجارب المقاومة وأعدائها ولد مصطلح بيئة المقاومة بمعناه الدال على أنه حاضنة للمصالح المشتركة بين شعب ما ومقاومة ما تعيش بين ظهرانيه.
ثمة استنتاجات أخرى كثيرة قدمتها التجارب الماضية بخصوص كيف تحمي المقاومات نفسها من اختراق العدو الأمني لها.. ومن هذه الاستنتاجات عبرة تفيد بأن المقاومة تنتشر ولكن من دون أن ترى؛ وأهم خطأ هو أن ترى المقاومة ولا تنتشر.. صحيح ان الأنفاق هي نظرية قديمة في تاريخ حروب الانصار؛ ولكن النفق يجب أن لا يتحول إلى خندق؛ فالمقاومات لا تتخندق؛ وأهمية النفق في علم حرب العصابات هو أن يستخدم ككمين يتم انطلاقاً منه ممارسة أسلوب إضرب واهرب أي إضرب وانتشر ولا يجب أن يرى بعد ذلك لا العنصر الذي هاجم ولا مكان انطلاقه..
ربما إحدى أزمات حزب الله الأمنية هي أنه في العقد الأخير بدأ يخرج من استراتيجية حرب الأنصار إلى استراتيجية أنه جيش أنصار.. لقد استغلت إسرائيل هذه النقلة في طبيعة الحزب من أجل أن تجمع في بنك أهدافها خارطة جينية له.. وبمقابل أن الحزب تخلى عن الحذر الأمني والسرية المتسمة بها مجموعات حرب الأنصار؛ فإن إسرائيل، وبالأخص الموساد، خرجت لقتاله ومراقبته بأسلوب أمني يقلد طريقة حرب الأنصار، ولكن مع توظيف سلاح فعال جديد اسمه الذكاء الاصطناعي وما يسمى بالثغرة التكنولوجية الكبيرة…
ويجب الاعتراف أنه لم يتم فعل ولو القليل لمواجهة الاختراق الإسرائيلي الأمني القاتل، وذلك رغم أنه مر عام على اتضاح أن إسرائيل لديها اختراق أمني بنيوي داخل الحزب وداخل ضفاف أخرى متعلقة به.. ويبقى القول ان إعلان إسرائيل أنها اغتالت القائد الثاني في الحزب – حسب تسمية إسرائيل له – يعني أن نتنياهو يخطط للمهمة المقبلة وهي اغتيال الرجل الأول في الحزب؟؟!!