الهديل

اللواء الدكتور الحميدان: الإخوان المسلمين في عين العاصفه الأميركية

 

بقلم اللواء الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميدان

منذ أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدء الإجراءات التمهيدية لتصنيف بعض فروع الإخوان المسلمين كمنظمات إرهابية دخلت المنطقة في مرحلة سياسية جديدة لم تكن نتيجة لصدور القرار النهائي بقدر ما كانت نتيجة لجرأة فتح هذا الملف على مستوى البيت الأبيض. لان مجرد الإعلان عن بدء هذه الإجراءات كان كافياً ليكشف أن واشنطن لم تعد تنظر إلى الجماعة بوصفها جزءاً من طيف سياسي قابل للاندماج في العملية السياسية بل بوصفها ملفاً أمنياً عابراً للحدود يمكن أن يتحول في أي لحظة إلى مصدر تهديد تتعامل معه المؤسسات الأميركية بصرامة.

علما بأن هذا التحول بحد ذاته مثّل لحظة حاسمة في قراءة الإسلام السياسي لأن وزن الولايات المتحدة في موضوع من هذا النوع يفوق وزن أي دولة أخرى حتى لو كانت ثلاث دول أو عشر دول قد سبقتها في التصنيف. فالقرار الأميركي يملك قدرة على إعادة رسم الخرائط السياسية والتحالفات الدولية والإقليمية قبل صدوره بالفعل وهو ما يفسر حالة الارتجاج التي شهدتها المنطقة بمجرد فتح النقاش في البيت الأبيض.

 

ولهذا فان الدول التي صنفت الإخوان قبل ذلك مثل مصر والسعودية والإمارات تعاملت مع خطوة ترامب باعتبارها دعماً مباشراً لمقاربتها الأمنية وقد رأت في هذا الاتجاه الأميركي فرصة لترسيخ خطها السياسي لكنها لم تتغير لأنها اتخذت موقفها سابقاً. المفاجأة كانت في الدول التي تعتمد على الإخوان كأداة نفوذ مثل تركيا وقطر حيث بدت الخطوة الأميركية تهديداً حقيقياً لأنها تستهدف أحد أهم روافع التأثير الإقليمي لديهما وتعيد ضبط ميزان القوى لصالح محور آخر . والتأثير لم يكن محصوراً في البعد القانوني بل في ما تعنيه هذه الإشارة السياسية من تغييرات أوسع في سياسات واشنطن تجاه المنطقة وهذا ما جعل أنقرة والدوحة في حالة ارتياب سياسي لأن أي تصنيف أميركي حتى لو لم يعمم على كل فروع الإخوان سيقيد قدرتهما على استخدام الجماعة كورقة إقليمية مؤثرة.

 

أما الدول التي تحافظ على مشاركة سياسية مضبوطة للإخوان مثل الأردن وتونس والمغرب فقد وجدت نفسها أمام معضلة أكثر تعقيداً لأن أي تغير في الموقف الأميركي يضعها بين خيارين كلاهما صعب. فهي من جهة لا تستطيع تجاهل الضغط الأميركي ولا يمكنها الانزلاق نحو مواجهة مباشرة مع واشنطن وهي من جهة أخرى تعرف أن التضييق الشديد على الجماعة قد يؤدي إلى هز التوازنات الداخلية التي تشكلت خلال عقود وقد يفتح الباب أمام احتقان سياسي أو اجتماعي غير محسوب. هذا الوضع سيجعل هذه الدول تتصرف بحذر شديد لأن مجرد فتح الملف على مستوى الإدارة الأميركية كان كافياً لإجبارها على إعادة التفكير في موقع الجماعة داخل أنظمتها السياسية دون أن تصل إلى حد القطيعة الكاملة.

 

اما داخل الإخوان أنفسهم كان تأثير التحرك الأميركي كبيراً لأن مجرد بدء الإجراءات دفع نحو إعادة خلط الأوراق داخل التنظيم. ففكرة التنظيم العالمي بدأت تتراجع لصالح هياكل محلية تحاول التكيف مع واقع جديد لا يوفر الحماية السابقة ولا يمنح الشرعية السياسية نفسها التي تمتعت بها الجماعة في فترات سابقة. لان القواعد التنظيمية التي تعرضت للانقسام والقمع والخذلان في السنوات الماضية أصبحت أقل استعداداً لتقبل أي تحول نحو خطاب سياسي منزوع الأيديولوجيا. هذه الحالة خلقت تناقضاً داخلياً بين رغبة القيادة في تبني مرونة سياسية وبين قواعد ترى في ذلك ابتعاداً عن الهوية وعن التجربة التاريخية للتنظيم. وفي ظل الضغط الإقليمي والدولي يصبح من الصعب على الجماعة إعادة بناء شبكاتها أو ترميم بنيتها الداخلية خصوصاً مع تضاؤل الغطاء الدولي.

 

وفي المحيط الدولي الأوسع يعكس تحرك إدارة ترامب تحولاً كبيراً في رؤية الغرب لملف الإسلام السياسي. فقد أصبح الغرب بعد عقد من الربيع العربي أقل استعداداً للنظر إلى الحركات الإسلامية باعتبارها قوى سياسية يمكن إدماجها وأكثر ميلاً لرؤيتها من خلال منظور أمني يلغي الفروق بين المعتدل والمتشدد. هذا التحول يضعف التجارب التي حاولت تقديم نموذج إسلامي أكثر واقعية ويقوي خطاباً يعتبر أي حضور سياسي ذي طبيعة دينية تهديداً محتوماً. وبذلك يصبح التحرك الأميركي جزءاً من عملية إعادة تعريف علاقة الإسلام السياسي بالدولة الحديثة في العالم العربي وليس قراراً ضد جماعة محددة فقط.

 

وحين ننظر إلى مجمل هذه التفاعلات يتضح أن قرار ترامب بفتح ملف التصنيف لم يكن خطوة عابرة بل بداية لمسار سيعيد تشكيل السياسة الإقليمية. فحتى لو لم يصدر القرار النهائي يبقى مجرد فتح الملف كافياً لتغيير قواعد اللعبة السياسية وإطلاق سلسلة من التحولات التي تضيق فيها مناطق الوسط وتزيد فيها حدة الخيارات. وهذا ما يجعل السؤال حول كفاية تصنيف ثلاث دول أمراً ثانوياً لأن الثقل الحقيقي يكمن في الموقف الأميركي الذي يملك قدرة على دفع المنطقة كلها باتجاهات جديدة تعزز نهج المواجهة أو التكيف أو إعادة التشكل لدى جماعات الإسلام السياسي. وهكذا يظهر أن خطوة ترامب كانت الشرارة التي نقلت الإخوان والإقليم كله إلى لحظة مفصلية ستستمر آثارها لسنوات طويلة.

 

اللواء الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميدان

@alatif1969

Exit mobile version