«درسته جيدا».. ضابط وخبير رياضيات بعمر الـ23 يروي كيف اغتال هيثم علي الطبطبائي
خرج القائد العسكري الأعلى لحزب الله، هيثم علي الطبطبائي، يوم الأحد قبيل الظهر من الظل. وصل إلى مبنى سكني من عشرة طوابق في حي الضاحية في بيروت، وتموضع في شقة صغيرة في الطابق الرابع من المبنى.
في الساعة 14:43 أطلقت مقاتلة تابعة للطيران الإسرائيلي صاروخًا دقيقًا اخترق جدار إحدى الغرف في الطابق الرابع واغتاله، من دون أن يمسّ بسائر طبقات المبنى. هذه رواية لم تروَ من قبل نشرتها صحيفة «معاريف» اليوم الجمعة.
عملية «الجمعة السوداء – بلاك فرايداي»
تقول الصحيفة: «كان الطبطبائي مقاتلًا يعرف كيف يعمل في الظل، شديد الارتياب إلى حدٍّ متطرف. ربما قدّر أنّ الاستخبارات الإسرائيلية تحاول تعقّب تحركاته، لكنه لم يدرك إلى أيّ مدى نجح الجيش الإسرائيلي ومنظومة الأمن في اختراق ستار الضباب الذي لفّه، وفي تعلّم نمطه وسلوكه».
عندما أقلعت طائرات سلاح الجو من قاعدتها في وسط الكيان واتجهت نحو البحر المتوسط وهي تطير شمالًا، كان النقيب أ’ – وهو عالم رياضيات، تخرّج من أكثر المسارات نخبويةً في الجيش الإسرائيلي، ويشغل اليوم منصب رئيس شعبة المشاركة في سلاح الجو، في طريقه إلى القاعدة. بالنسبة إليه كان ذلك يومًا عاديًا آخر، حتى إنه أبلغ قائده أنه سيصل متأخرًا بسبب التزام شخصي.
وتضيف «معاريف»: «إلّا أنه، وقبل إقلاع الطائرات، تلقى التحديث بأن «عملية حياته» تُوشِك أن تنطلق، وأن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو سيصادق عليها بعد لحظات. بعد مرور دقيقتين على إتمام العملية وعودة الطائرات في طريقها إلى إسرائيل، وصل النقيب.أ إلى «الحُفرة» في مقرّ سلاح الجو، وتمكن من مشاهدة نتائج العملية التي خطّط لها على مدى أشهر طويلة – عملية اغتيال رئيس أركان حزب الله».
النقيب يخرج عن صمته
والآن، وللمرة الأولى بعد الاغتيال، يروي تفاصيل التحضيرات والخطوات التي جرت خلف الكواليس وأدّت إلى نجاح العملية. يقول النقيب أ.: «كنّا نعلم أننا بحاجة للاستعداد بأفضل صورة ممكنة، مع أخذ جميع العوامل المتغيّرة في الاعتبار، لكي نتمكن من اختيار الخيار الأفضل»، كاشفًا أن المبنى الذي تواجد فيه الهدف «لم يكن غريبًا علينا».
في الجيش الإسرائيلي رصدوا الآليات التي اختارها الطبطبائي ليصعّب استهدافه. ويضيف النقيب أ. «لهذا أعتقد أننا كنا بحاجة إلى درجة عالية جدًّا من الدقة في التحضيرات. بشكل عام عملنا على هذا الحدث عدة أشهر، كانت هنا عملية تخطيطية كبيرة جدًّا. أنا أعمل في فرع أبحاث العمليات، وهو فرع في سلاح الجو أُنشئ لمساعدة متخذي القرار في كل المراحل – سواء الاستراتيجية أو العملياتية فيما يخص الأهداف. نعمل في مقرّ العمليات في سلاح الجو، مع الاستخبارات، ونخطط، أنا ومخطِّط آخر، بالتعاون، ونضع تخطيط الهدف نفسه. كانت المهمة تتمثّل في اغتيال رئيس أركان حزب الله مع تقليل إصابة غير المتورطين إلى أدنى حدّ ممكن»، كما زعم النقيب أ.
رجل الظل
فريق النقيب أ. درس عدة خيارات لاستهداف الرجل الذي اعتُبر «رجل الظل» شديد الحذر والارتياب. وقال: «في النهاية، الطريقة الصحيحة للنجاح في عملية كهذه هي إنتاج أكبر عدد ممكن من الخيارات، وهكذا نجحنا في ذلك».
ويتابع: «كل الحدث انفجر (تسارع) وخلال ساعات قليلة وقع ما وقع. كنتُ في الطريق إلى القاعدة، وصلت متأخرًا في ذلك اليوم. في النهاية، بنينا هنا شيئًا جيدًا جدًّا، شيئًا سنرى ثماره لاحقًا، لكن حتى الآن نحن نعلم أنه جيد جدًّا. كانت هناك درجة عالية جدًّا من الجهوزية لهذه المهمة. بشكل عام وصلتُ إلى غرفة الهجوم بعد دقيقتين من الضربة، وحقيقة أننا، نحن المخططون، لم نكن بحاجة للتدخل في مجريات التنفيذ واكتفينا بالمشاهدة، تدلّ على أن التحضيرات كانت في أعلى مستوى ممكن».
وقال النقيب أ’، مضيفًا: «في مستوى التخطيط استخدمنا ذخائر تقلّص قدر الإمكان الإصابة في الطوابق الأخرى، مع شبه انعدام للأضرار في باقي المبنى».
من جهة أخرى، تقول وسائل إعلام إسرائيلية أن الاستخبارات الإسرائيلية «راقبت تحركات رئيس أركان حزب الله لأكثر من عام، وانتظرت فرصةً سانحةً لتصفيته، وهي الفرصة النادرة التي سنحت هذا الأسبوع. ونُفذت عمليات تفجير في أقل من ساعة من تلقي المعلومة الذهبية».
وهنا ينقل موقع «واللا» عن ضابط مشارك في الهجوم قوله: «هناط خطأ لحظة ارتكبه عنصر قيادي في الحزب أثناء دخوله المخبأ». ويضيف: «كنت في استراحة غداء عندما تلقى مكالمة قائد السرب يطلب فيها تفعيل الخطة على الفور».
من جهته، يقول الضابط أ في حديث «معاريف»: «جاء الحدث في بيروت بعد فشل العملية في قطر، التي حاول فيها سلاح الجو اغتيال كبار قادة حماس. هناك، ساعد قرار استخدام ذخيرة أقل فتكًا على نجاة الأهداف المقصودة. نحن نتعلم طوال الوقت، خصوصًا في ضوء الدروس المستفادة من جولة القتال الأخيرة، ونحن نؤمن كثيرًا بفرعنا. نستخدم هذه الخبرة في بُعدين: نحاول فهم فيزياء القنابل بعمق، ولدينا الكثير من التجربة الإمبريقية. نحن دائمًا نحاول أن نتعلم أكثر عن قدراتها، وعن ما يمكنها فعله وما لا يمكنها فعله».
وأردف: «في النهاية نحاول أن نضع أمام كل عملية عددًا من البدائل المختلفة في التخطيط. طبعًا، القرار النهائي يتخذه صاحب القرار، لكننا نُقدّم له قائمة واسعة من الإمكانات التي يمكن الاختيار بينها»، يقول النقيب أ.
ويتابع: «درستُه جيدًا، وأعرفه جيدًا. في النهاية نحن، المخططيو، في حوارٍ وثيق وجيّد مع الاستخبارات لكي نتمكّن من توفير أفضل عملية اغتيال ممكنة».
عمره 23 عامًا
النقيب أ، الذي لا يتجاوز عمره 23 عامًا، هو النقيض التام لصورة «رامبو» أو «جيمس بوند». تجنّد كما ذُكر في مسار النخبة «تلفييوت»، ويحمل درجة البكالوريوس في الرياضيات.
يقول: «هذا مسار مجنون حرفيًا. أصل إلى فرع أبحاث العمليات في تشرين الأول/أكتوبر 2023، وأحصل على بداية قاسية جدًّا في الخدمة الدائمة والتجربة الحقيقية في الجيش. أنا موجود في هذا الفرع منذ عامين، عشت خلالهما الكثير من البحث والتجارب والتعلّم. أنا درست الرياضيات، وهناك الكثير من نقاط التلاقي بين عملي وخلفيتي»، وكشف ع’ أنه هو ورفاقه شاركوا في تخطيط عمليات اغتيال أخرى جرت في العامين الأخيرين.
وكشف أن «كل الضباط يشاركون في عمليات تخطيط من هذا النوع أو ذاك، وقد كان لي الكثير من العمليات المهمة. أشعر بقدر كبير من الامتنان لكوني في هذه الفترة