الهديل

خاص الهديل: ترامب ولعبة “الشرطي الشرير” و”الشرطي الطيب”!!

خاص الهديل…

بقلم: ناصر شرارة

تشتهر أفلام الكايبوي الأميركية بتقديم شخصيتين نمطيتين داخل المجتمع الأميركي؛ الشخصية الأولى هي الشرطي السيء أو الشرير والشخصية الثانية هي الشرطي الطيب. الأول قاسي وصارم وحتى انتهازي مع المتهم؛ والثاني يتصرف بليونة ويحاول التوصل معه إلى نتيجة جيدة من خلال الحوار والتفاعل، الخ..

يبدو أن دونالد ترامب في خضم أنه ينتج في كل يوم تقريباً مبادرة وفيلماً أميركياً في بقعة ما من العالم؛ فهو بات أيضاً على عادة كاتبي سيناريوهات أفلام الكايبوي يقدم في كل واحد من أفلامه وكل واحدة من مبادراته وتوسطاته، شخصيتن في آن معاً وبنفس الوقت: أي شخصيتي الشرطي السيء والشرطي الطيب.

وفي واحدة من مشاهد تطبيقات سيناريو الشرطيين؛ أرسل ترامب مؤخراً إلى العراق مبعوثاً جديداً هو مارك سافايا وهو مسيحي كلداني أميركي من أصل عراقي.. وسافايا تقدمه شخصيته على أنه المبعوث الطيب (على وزن الشرطي الطيب)..

.. وبينما كان العراق منشغلاً بأخبار سافايا المبعوث الطيب والصديق القديم – الجديد للرئيس محمد الشياع السوداني؛ قام ترامب على نحو مفاجئ بإرسال مبعوث ثان إلى العراق هو المبعوث القاسي والصارم توم براك الذي هو في الوقت نفسه سفير ترامب في تركيا ومبعوثه إلى كل من سورية ومؤخراً لبنان.

خلال اجتماعاته في العراق هدد “المبعوث الشرير” براك بأنه في حال ساندت الفصائل العراقية الشيعية المسلحة حزب الله في لبنان الذي تخطط على ما يبدو إسرائيل لضربه؛ فإن العراق سيتلقى رداً عسكرياً قاسياً. وقبل ذلك كان سافايا وصل إلى العراق بصفته مبعوثاً معيناً من قبل ترامب؛ وأجرى لقاءات ودية بقادة العراق الذين يعرف معظمهم؛ وبخاصة مع السوداني الذي تربطه علاقات جيدة جداً به، حتى أن البعض قال ان سافايا ليس فقط مبعوث ترامب إلى العراق بل هو يكاد يكون أيضاً مبعوث السوداني إلى البيت الأبيض.

المهم في هذا المجال أن ترامب لديه مبعوث طيب إلى العراق اسمه مارك سافايا؛ وبنفس الوقت لديه مبعوث قاسي – ولو غير رسمي – اسمه توم براك؛ وبينما الأول برز فجأة على الساحة العراقية، ثم اختفى لتظهره الصور أنه يلعب الغولف مع ترامب؛ فإن المبعوث الثاني (براك) حضر إلى العراق من خارج عنوانه الرسمي، وبدأ يعمل بصلاحيات مبعوث لترامب بالتوازي مع سافايا. 

في لبنان يوجد أيضاً مبعوثين إثنين لترامب وليس مبعوثاً واحداً: المبعوث الأول كان أورتاغوس التي قدمت نفسها على أنها الشرطي القاسي أو “السيء” حسب الاصطلاح الهليودي. ثم أرسل ترامب في أثرها مبعوثاً ثانياً هو توم براك، وذلك في البداية تحت عنوان أنه “شرطي طيب”؛ لكن براك بدأ يبتعد عن ملف لبنان ويتخلى بنفس الوقت عن سمة أنه شرطي طيب..

والواقع أن فكرة المبعوثين التي يعتمدها ترامب كطريقة عمل بدأت تستنفد أهدافها؛ والسبب في ذلك أن كل المبعوثين الذين عينهم ترامب هم رجال أعمال وقليلو الخبرة بالسياسة فيما الملفات التي يعالجونها هي ملفات سياسية معقدة للغاية؛ أضف أن هؤلاء المبعوثين يعملون على حساب أهل الخبرة الذين هم دبلوماسيو الخارجية الأميركية الذين همّش ترامب دورهم. 

وضمن هذه الجزئية يتضح أن هناك “عقدة” لدى ترامب، تفسر لماذا يفضل العمل في الأزمات الدولية مع مبعوث يكون رجل أعمال وصديق له على العمل مع دبلوماسي يمثل عراقة مؤسسة الخارجية الأميركية. العارفون يقولون ان السبب يقع في أن ترامب خلال ولايته الأولى كانت تنقصه الخبرة السياسية فلذلك قرر الاستعانة برجالات الدولة الأميركية العميقة والعريقة؛ وهؤلاء كانوا موالين لمؤسساتهم أكثر من ولائهم لترامب.. وفي ولايته الثانية اعتبر ترامب أنه أصبح يتقن اللعبة السياسية والسلطة، ولذلك قرر ليس فقط إدارة ظهره للدولة العميقة ورجالاتها بل محاربتها؛ وتعيين فريق عمله من شخصيات تدين له بالكامل ولا علاقة لها بمؤسسات الدولة العميقة.

Exit mobile version