خاص الهديل….

كتب بسام عفيفي
بعيداً عن سجالات الغرائز السياسية الضيقة؛ وبعيداً عن هواية تسجيل النقاط؛ يجدر الاعتراف بأن التطورات تثبت المرة بعد المرة أن البلد منقاد من قيادة ديموقراطية ومنتخبة ومسؤولة وتتصرف بحكمة ورزانة وبُعد نظر؛ وذلك بهدف تجنيب البلد ويلات الجنون الإقليمي الذي تقوده الحكومة اليمينية المتطرفة الإسرائيلية؛ وتملي توازناته تحولات جيوسياسية عاصفة.
.. وحتى يكون هذا الكلام مؤيداً بدلائل وليس مجرد انطباعات، يجدر الإشارة إلى معطيات أساسية هي التالية:
أولاً- طوال الفترة التي تلت وقف الحرب في غزة وإسرائيل تزخم من حملة تهديداتها بشن جولة قتال لأيام ضد حزب الله ومؤسسات الدولة والجيش اللبناني، الخ.. ويجب الاعتراف بأن هذه الحملة الإعلامية والسياسية الإسرائيلية بشن الحرب على لبنان أربكت الساحة اللبنانية لدرجة أن الكثير من المواطنين من سكان الجنوب والضاحية الجنوبية بدأوا يتركون منازلهم ويستأجرون منازل لهم في مناطق يعتبرونها أكثر أماناً. وثمة مظاهر كثيرة سادت في الأسابيع القليلة الماضية، وجميعها تدل على أن لبنان يعيش ليس نتائج التهديدات الإسرائيلية، بل هذه التهديدات بدأ يترتب عليها نفس النتائج الاقتصادية والاجتماعية التي تترتب عن نشوب حرب فعلية..
.. وعليه كان لا بد أن تتحرك الدولة باتجاه القيام بخطوة مدروسة ونوعية، هي في الواقع لا تؤدي إلى تبدل جوهري في ثوابت لبنان الوطنية؛ ولكن بنفس الوقت ومن جهة أخرى تؤدي إلى تغيير مناخ الحرب الإسرائيلية المسيطر على البلد، وبالتالي تؤدي إلى تهدئة روع المواطنين والجو الاقتصادي سيما وأن الوقت هو عشية أعياد الميلاد ورأس السنة، الخ..
والواقع أنه حتى الإعلام الإسرائيلي قال أمس ان خطوة لبنان بتعيين السفير سيمون كرم رئيساً للوفد اللبناني داخل اللجنة الخماسية أدى إلى إحراج نتنياهو وتسبب بإحراج مناخ الحرب الذي يشيعه ضد لبنان.
ثانياً- يجدر الإيضاح هنا أن فكرة أن يكون هناك تمثيلاً مدنياً داخل اللجنة الخماسية لا يعني أن لبنان فتح طريقاً للبدء بمشوار التطبيع مع إسرائيل؛ بل يعني بالتحديد فتح أفق للتفاوض داخل الخماسية برعاية دولية؛ وذلك حتى يمكن تحقيق أهداف تصفية آثار حرب إسرائيل الأخيرة على لبنان؛ وهي الحرب التي أدت إلى احتلال نقاط جغرافية متحكمة ترفض إسرائيل الانسحاب منها؛ وهي الحرب التي أدت إلى أسر لبنانيين ترفض إسرائيل إعطاء لوائح بأسمائهم؛ وهي الحرب التي أدت الى تدمير قرى بكاملها وردم أحياء، ولا يزال حتى الآن هناك ممانعة خارجية بخصوص المساعدة على إعادة بنائها.. لبنان بخطوته أمس وضع قدمه على بداية طريق جعل العالم يتجاوب معه من أجل تحقيق أهداف تصفية نتائج الحرب المباشرة والمادية والمؤلمة.
طبعاً إسرائيل سوف تحاول تخريب خطوة لبنان هذه حتى تحرمه من نتائجها الإيجابية؛ ولذلك فإن المطلوب من اللبنانيين أن يسمعوا من لبنان ماذا يريد لبنان من خطوة تعيين السفير كرم رئيساً لوفد لبنان في الخماسية؛ وأن لا يسمعوا كيف تفسر إسرائيل هذا القرار.
ثالثاً- يجب التمعن بأن لبنان خارج من نتائج زيارة البابا لاوون إليه؛ وهي زيارة سيكون لها نتائج إيجابية داخلية وإقليمية وخارجية.
والواقع أن زيارة البابا وجهت رسالة للبنان تقول للبنانيين فيها ان وجود بلدهم في هذه المنطقة يشكل غنى لها؛ وليس صحيحاً أن وجود لبنان هو مجرد خطأ تاريخي كما قال البعض مؤخراً؛ وأيضاً وجهت زيارة البابا رسالة للعالم تقول ان أمن لبنان هو من أمن قيم الفاتيكان التي لا تملك دبابات بل تملك التزام العالم برجائها وبصوت الحق الخارج من ترانيم صلاتها. ولذلك يمكن القول ان خطوة أمس بإرسال السفير سيمون كرم إلى الخماسية جاءت لتستكمل زخم نتائج زيارة البابا إلى لبنان على المستويين الإقليمي والدولي؛ بدل أن تترك نتائج هذه الزيارة تنتهي وتتبدد مع انتهائها. لقد نجحت الدولة في إنتاج تتمة على المستوى الدولي والداخلي لزيارة البابا وذلك عن طريق الاستثمار في المناخ الإيجابي للزيارة عبر شحنه بخطوة إيجابية أخرى تضيف إليها تفاعلاً إيجابياً مضافاً.
يبقى القول ان خطوة إرسال السفير كرم إلى الخماسية عبرت عن قرار مشترك وجامع بين الرؤساء الثلاثة الذين هم في لحظة التكاتف من أجل عدم إبقاء لبنان بين فكي مغامرات نتتياهو العسكرية وتحولات المنطقة العاصفة.

