الهديل

اللواء الدكتور الحميدان: نفوذ طهران وضغوط واشنطن هل يفلت العراق من قبضة الصراع؟

نفوذ طهران وضغوط واشنطن هل يفلت العراق من قبضة الصراع؟

 

بقلم: اللواء الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميدان
العراق اليوم يقف في قلب عاصفة جيوسياسية لا تهدأ حيث يتقاطع النفوذ الأمريكي مع الحضور الإيراني في معادلة معقدة تجعل من البلاد ساحة تصادم مستمر أكثر منها دولة قادرة على فرض إرادتها. فمنذ سقوط بغداد عام 2003 تراكم النفوذ الإيراني عبر شبكة واسعة من الأحزاب والفصائل والامتدادات الاقتصادية حتى باتت طهران تتعامل مع العراق باعتباره عمقها الاستراتيجي وساحة نفوذ لا يمكن التراجع عنها. وفي المقابل بقيت الولايات المتحدة قوة حاضرة لا تستطيع ترك العراق مدركة أن من يتخلى عن هذه الساحة يخسر احد بوابات الشرق الأوسط الحيوية سياسيا وأمنيا واقتصاديا لكنها في الوقت نفسه باتت مكبلة بمعادلة تريد من خلالها البقاء دون الانغماس الكامل والضغط دون إشعال مواجهة شاملة مع وكلاء إيران.
وفي هذا الوسط المتوتر تجد الحكومات العراقية نفسها كمن يسير على حافة الهاوية. فكل خطوة محسوبة وكل قرار سياسي أو أمني يخضع لميزان حساس لان الاقتراب من واشنطن يعني إثارة غضب القوى المتحالفة مع إيران والاقتراب من طهران يعني اتهامات بفقدان السيادة وارتهان القرار الوطني. وبين هذه الضغوط تتآكل قدرة الدولة على فرض سلطتها ويظهر العراق أحيانا كأنه طرف ضعيف داخل نزاع أكبر منه لا يملك سوى محاولة امتصاص الضربات وتجنب الانفجار.
ولهذا لم يعد الصراع بين واشنطن وطهران داخل العراق صراع نفوذ صامت بل أصبح سلسلة من الرسائل النارية المتبادلة. ضربات أمريكية دقيقة تتجنب جر البلاد إلى حرب وهجمات صاروخية وطائرات مسيرة يعلن منفذوها أنهم يدافعون عن محور المقاومة. فكل طرف يمارس لعبة الضغط عند حدود الانفجار دون أن يسمح بالانفجار نفسه. والنتيجة هي استمرار عراق يعيش تحت توتر متواصل يستخدم فيه كمنصة لتصفية الحسابات الإقليمية.
وأما الاقتصاد العراقي وهو الرئة التي يتنفس منها البلد فقد أصبح هو الآخر جزءا من الصراع. فواشنطن تتحكم بمفاصل مالية حساسة عبر الاحتياطي العراقي في الفيدرالي الأمريكي وتستخدم هذه الورقة للضغط حين تحتاج. وفي المقابل تعتمد إيران بشكل كبير على السوق العراقية التي تمثل لها منفذا تجاريا واقتصاديا حيويا في ظل العقوبات. وفي ظل هذا التشابك يجد العراق نفسه أمام اقتصاد ضخم لكنه ضعيف محاط بقيود سياسية وجيوسياسية تمنعه من الانطلاق.
ورغم الصورة القاتمة لا يمكن القول إن العراق بلا خيارات. لكنه يحتاج إلى إرادة وطنيه سياسية متماسكة وإلى بناء مؤسسات دولة قوية قادرة على تجاوز نفوذ الفصائل والتجاذبات الخارجية. ولهذا لن يتحقق مفهوم السيادة ما لم يتفق العراقيون أولا على تعريف واحد لهذه السيادة وما لم تتوقف القوى الداخلية عن استدعاء الخارج لتقوية مواقعها. فالعراق لن يصبح دولة مستقلة بمجرد موازنة واشنطن وطهران بل حين يصبح قادرا على فرض إيقاعه الخاص وتحديد مصالحه الوطنيه بنفسه.
وإن استمرار العراق كأرض صراع بين القوتين سيبقيه في حالة استنزاف دائم وسيحوله إلى ساحة للآخرين بدل أن يكون لاعبا حقيقيا. فاللحظه الحاسمة التي يمر بها العراق اليوم تتطلب خطابا سياسيا شجاعا وإصلاحا جذريا في بنية الدولة قبل أن يجد نفسه غارقا في صراع لا يملك السيطرة عليه. لان التوازن بين واشنطن وطهران قد يبدو هدفا دبلوماسيا لكنه في واقع الحال توازن على حافة الانفجار والعراق وحده هو من يدفع ثمن هذا التناقض ما لم يستعيد زمام المبادرة ويعيد بناء دولته من الداخل لتكون دولة المواطنه لكل العراقيين.
@alatif1969
Exit mobile version