خاص الهديل….

بقلم: عبد الناصر شرارة
يوجد داخل أزمات العراق وسورية ولبنان أزمة اسمها توم براك الذي يحمل لقب مبعوث الرئيس الأميركي لمعالجة ملفي سورية ولبنان وكسفير في تركيا وكمتدخل في الملف العراقي من وراء ظهر أو من تحت عيون مارك سافايا الذي عينه ترامب مبعوثاً له إلى العراق.
بغض النظر عن رأي المنطقة بأداء ابن زحلة الأميركي الجنسية توم براك؛ فهو يظل لكثرة الملفات الدبلوماسية والرئاسية التي يحملها، أهم شخصية أميركية في المنطقة. وقبل ذلك يظل بعد ترامب أكثر شخصية أميركية تداوم على إطلاق التصريحات الصادمة والمتناقضة والتي تصبح مع مبالغته في إطلاقها، أقرب للثرثرة ومفتقدة للمصداقية.
وتوفر “خدمة المبعوث الرئاسي” التي يعتمدها ترامب فرصة نادرة في إنشاء صلة مباشرة بين ما يحدث على أرض الواقع في أي منطقة في العالم، وبين سيد البيت الأبيض؛ ما يلغي “بيروقراطية اتخاذ القرار” لمصلحة “تلقائية اتخاذ القرار”. معروف أن القرار في أميركا تنتجه المؤسسات التي ينسق بينها مجلس الأمن القومي الذي يرفع بدوره إلى الرئيس الأميركي حصيلة ما استقرت عليه مشاوراته فيتخذ الرئيس القرار ويتم تعميمه على المؤسسات التنفيذية التي تقوم بترجمته على نحو يقدمه على أنه سياسة الولايات المتحدة الأميركية الرسمية. ولكن مع ترامب فإن القرار الأميركي يمر من فم المبعوث الرئاسي إلى أذن الرئيس الأميركي مباشرة.
ولا شك أن توم براك يلعب ضمن هذه الآلية المستحدثة في اتخاذ القرار الأميركي، دوراً مهماً كونه يستطيع في أي وقت، وبعيداً عن أي آلية بيروقراطية، ان يقول من فمه مباشرة إلى أذن الرئيس كل ما يريده عن لبنان وعن سورية وأيضاً عن تركيا ومؤخراً عن العراق.
وكون براك لديه ما يمكن تسميته بخط ساخن مع الرئيس الأميركي فإن هذا يجعله لحد غير قليل ممسكاً بمقود توجيه مستقبل ومصير ثلاث إلى أربع أهم دول في المنطقة بالنظر لكونه مبعوث الرئيس ترامب إليها بهذا الشكل المباشر أو غير المباشر.
.. وبراك يشتهر بأنه يطلق تصريحات متضاربة؛ وفي هذه النقطة تقع مشكلة المنطقة معه. وهناك من يقول ان التناقض الصادم في تصريحاته يأتي من كونه لا يملك خبرة سياسية ولا دبلوماسية؛ فهو مجرد رجل أعمال وكل مؤهلاته هو أنه صديق لترامب. غير أن هناك رأي آخر يقول: صحيح أن براك لا يملك خلفية سياسية ولكن لديه مستشارين وهو يبدي سرعة بالتعلم؛ وما يبدو أنه تناقض في تصريحاته يمكن النظر إليه على أن براك يقوم بتحديث آرائه؛ ولذلك يبدو كطبيب جراح يواجه أثناء العملية تقلبات مفاجئة في صحة المريض، فيقوم بتغيير اتجاهات خطة تنفيذ العملية الجراحية. والمنطقة تشبه مريض تتسم حالته بأنه يحتاج لجراحة عاجلة في وقت أن حاله العام يعاني من عدم الاستقرار والتقلبات المفاجئة والأزمات المزمنة..
وفي البداية اعتبر براك أنه يمكنه عير الدبلوماسية الناعمة وعبر طريقة عمل تناقض طريقة عمل أورتاغوس التقدم في حل الأزمة بين لبنان وإسرائيل؛ ولكنه اكتشف – حسب نظرته – أن الأزمة بين الطرفين ليس مصدرها العميق كيفية معالجتها بل لأن نظرة طرفيها لكيفية حلها متحجرة.
.. وبالطبع لا يستطيع براك القول ان إسرائيل لا تساعد في حل الأزمة؛ فلذلك اقتصر نقده على لبنان؛ علماً بأن براك يعلم تماماً أن ٨٠ بالمئة من فشله في ملف لبنان سببه تعنت نتنياهو…
الآن يقال ان براك سيتم إبعاده عن الملف اللبناني بالتدريح لينتقل هذا الملف إلى عناية السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى، فيما تصبح أورتاغوس من فريقه مع استمرارها بمزاولة دورها في الميكانيزم.
يلاحظ أن تعيين عيسى سفير في لبنان، أتى بنفس الوقت مع تعيين سافايا الكلداني العراقي الأصل مبعوثاً لترامب في العراق. وحتى الآن لم يتم وضع سافايا أو عيسى على نقطة الانطلاق الفعلي لبدء عملهما؛ بل استمر براك يتدخل بإسم ترامب في العراق من دون ظهور علني لسافايا؛ واستمرت أورتاغوس تتداخل في لبنان من دون ظهور علني لعيسى. وفي تفسير ليس صلباً يقول البعض ان ذلك ربما يعود إلى أن العراق ولبنان هما حالياً في ثلاجة ترامب وذلك حتى بداية العام الذي سيحل فيه موعد انتهاء فترة السماح الأميركية للبنان لينهي ملف حصرية السلاح؛ وسيحل فيه بالنسبة للعراق موعد فترة انتهاء الانتظار الأميركي لتشكيل حكومة هناك تكون مقبولة من واشنطن.
بكل حال من الصعب رؤية براك يغادر لبنان أو العراق كلياً، وذلك ليس لأن عيسى في لبنان أو سافايا في العراق سيصبحان من دون عمل؛ بل لأن دور براك في سورية يجعل منه مبعوثاً للرئيس ترامب بمهمة إقليمية، نظراً لكون سوريا تشكل حجر الزاوية في عملية ترتيب أحجار إعادة استقرار المنطقة وبضمنها منطقة المشرق العربي؛ فسورية هي نقطة الزاوية في مشروع قطع الطريق بين النفوذ الإيراني ووصوله إلى مداخل المتوسط أو إلى الحدود الشمالية الشرقية مع إسرائيل؛ وسورية هي حجر الزاوية في تحديد شكل الرئة الاقتصادية التي سيتنفس بها لبنان؛ وسورية هي تقاطع المصالح والافتراق بين تل أبيب وأنقرة؛ وهي الصراع المقبل على غاز المتوسط، وسورية آخراً وليس أخيراً ستكون هي نموذج الاتحاد اليوغسلافي في محيطها قبل انهيار الإتحاد السوفياتي، وذلك في حال كانت واشنطن لا تريد بلقنة المشرق العربي؛ إما ستكون هي نموذج صراع البوسنة والهرسك والصرب إذا كانت واشنطن تريد بلقنة المنطقة وتفتيتيها. وعليه فإن وجود براك في سورية الإقليمية يجعله تلقائياً موجوداً في لبنان وفي العراق وفي إيران؛ وربما قريباً نشاهده بلقاء سري أو علني مع عدنان عرقجي!!

