اللواء الدكتور الحميدان: الرئيس الشرع يثبّت المؤسسات والأمير محمد يعيد ضبط المشهد الإقليمي
yasmin ahmad
اللواء الدكتور الحميدان:
الرئيس الشرع يثبّت المؤسسات
والأمير محمد يعيد ضبط المشهد الإقليمي
بقلم: اللواء الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميدان
بعد مرور عام على تولي الرئيس احمد الشرع السلطة في سوريا تبدو البلاد وكأنها تدخل مرحلة مختلفة عن سنوات الاضطراب التي عاشتها حيث يمكن ملاحظة أن القيادة الجديدة عملت منذ الأيام الأولى على إعادة ترتيب بنية الدولة وإعادة ضبط إيقاع المؤسسات في محاولة لتجاوز تراكمات سياسية واقتصادية واجتماعية أثقلت كاهل المجتمع السوري لسنوات طويلة. وهذا العام لم يكن عاماً للنتائج بقدر ما كان عاماً لتثبيت اتجاهات أولية في السياسة العامة للدولة حيث اتسمت المرحلة بطابع انتقالي يسعى إلى رسم ملامح جديدة دون القطيعة التامة مع الإرث السابق ودون تسليم كامل بأن التغيير قد اكتمل أو تبلور بشكل نهائي.
وفي المشهد الداخلي برزت سلسلة من الخطوات التي هدفت إلى إعادة هيكلة الإدارة العامة وتحسين كفاءة الجهاز التنفيذي وتخفيف حدة الفجوة بين المواطن والدولة عبر محاولات إصلاحية محدودة لكنها مدروسة في قطاعات الخدمات والطاقة والحوكمة ومع أنها لم تُحدث تحولات جذرية إلا أنها أرسلت إشارات على وجود رغبة في إعادة بناء الداخل على أسس أكثر انضباطاً وواقعية. وأما على المستوى الأمني فقد حافظت البلاد على حالة من الاستقرار النسبي حيث انخفضت مستويات التوتر في أغلب المناطق رغم استمرار بعض التحديات التي تتطلب معالجة طويلة الأمد خصوصاً في المناطق ذات التعقيدات الجغرافية والسياسية. وهذا الاستقرار النسبي لم يكن نتاجاً لتغييرات كبرى بقدر ما كان نتيجة لتطوير آليات التنسيق بين المؤسسات الأمنية والإدارية بما يسمح بإدارة أكثر فاعلية للمشهد الداخلي.
واما الاقتصاد السوري بقي التحدي الأكبر خلال العام الأول للشرع فالأوضاع المعيشية الضاغطة والقدرة الشرائية للمواطن مستنزفة والبنية الخدمية تحتاج إلى ترميم شامل ولذلك يلاحظ ان الدوله ركزت على مقاربة تقوم على التخفيف من حدة الأزمات بدلاً من تقديم حلول نهائية لها نظراً لارتباط الاقتصاد السوري بعوامل معقدة تتجاوز حدود القرار الداخلي. ومع ذلك ظهرت بوادر أولية لنهج اقتصادي يرتكز على استقطاب الاستثمار العربي وتحسين بيئة الأعمال وتشجيع القطاعات الإنتاجية لكن هذه المبادرات ما تزال في بدايتها ولا يمكن الحكم عليها إلا خلال السنوات المقبلة.
وفي الإطار العربي شهد العام الأول عودة تدريجية لسوريا إلى محيطها العربي حيث برز بوضوح دور المملكة العربيه السعوديه بقيادة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان الذي حمل في طياته رؤية عربية واقعية تهدف إلى إعادة استقرار سوريا واحتوائها ضمن النظام العربي من جديد. حيث ان المملكة العربية السعودية سعت منذ البداية إلى خلق مناخ إقليمي أقل توتراً وإلى بناء مقاربة تقوم على دعم الدولة الوطنية السورية وتقليل التأثيرات غير العربية على قرارها السياسي. وهذا الدور لم يكن تدخلاً مباشراً في الشأن السوري بل كان سعياً إلى توفير بيئة إقليمية تسمح لسوريا بإعادة تثبيت مؤسساتها والانفتاح على مشاريع تنموية واقتصادية قد تكون المملكة إحدى ركائزها مستقبلاً. وبذلك شكلت السعودية جزءاً من شبكة الأمان السياسية والإقليمية التي أسهمت في تهدئة المشهد السوري خلال العام الماضي ما منح القيادة الجديدة مساحة أكبر للحركة وإعادة التموضع.
وأما على المستوى الدولي فقد اتسمت المرحلة بحالة من الترقب حيث لم تُظهر القوى الكبرى رغبة في إحداث تغييرات جذرية في مقاربتها للملف السوري وإنما اتبعت سياسة الانتظار لمراقبة اتجاهات القيادة الجديدة وقدرتها على إدارة الملفات الداخلية والإقليمية. ورغم محدودية التفاعل الدولي الإيجابي إلا أن المناخ العام بات أقل حدة مما كان عليه سابقاً وهو ما انعكس بشكل غير مباشر على الأداء الداخلي.
وعند محاولة تقييم العام الأول للرئيس الشرع يمكن القول إنه كان عاماً لتثبيت الأسس وليس عاماً للإنجازات الكبرى فقد وضعت فيه القيادة الجديدة الإطار العام لسياستها وأعادت ترتيب البيت الداخلي وفتحت الباب أمام انفتاح عربي تقوده الرياض بينما بقيت النتائج العملية محدودة بحكم طبيعة المرحلة الانتقالية. التحدي الحقيقي سيبرز في قدرة الدولة خلال العامين المقبلين على تحويل الاتجاهات العامة إلى سياسات تنفيذية وعلى ترجمة الانفتاح العربي إلى مشاريع واقعية وعلى تعزيز الاستقرار الداخلي عبر إصلاحات مؤسسية واقتصادية تلامس حياة المواطن.
وفي المحصلة تقف سوريا اليوم عند مفترق طرق يفتح أمامها فرصاً وتحديات في آن واحد حيث ترتبط فرص الاستقرار بقدرتها على إدارة المرحلة بواقعية وعلى الاستفادة من المناخ العربي الداعم وعلى بناء مؤسسات قوية تمتلك القدرة على تجاوز تراكمات الماضي. أما التحديات فتبقى مرتبطة بالاقتصاد والسياسة والأمن وبمدى قدرة القيادة على تحويل اللحظة الإقليمية الحالية إلى نقطة انطلاق نحو مستقبل أكثر استقراراً وتوازناً. وبقدر ما تنجح الدولة في استثمار هذا الانفتاح العربي الذي تقوده السعودية بقدر ما يمكن لسوريا أن تدخل مرحلة جديدة مختلفة جوهرياً عن السنوات السابقة.