خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
.. من يسمع وليد جنبلاط يكاد يصل لحافة الاقتناع بأنه على حق؛ إلا أنه سرعان ما يقتنع أن هناك من يتكلم غير جنبلاط ليقول وجهة النظر الأخرى أو الحقيقة الأخرى..
فجنبلاط كالزعماء الآخرين يروي التفاصيل التي تعزز موقفه ويروي الحجج المقنعة للمقتنعين سلفاً بوجهة نظره؛ لكنه يتحاشى التعرض للتفاصيل الأخرى ويتجنب مناقشة الحجج الأخرى.
في الواقع من الظلم اعتبار موقف الدورز اليوم من قضية السويداء يمكن اختصاره بوجود معسكرين اثنين فقط أو محورين وانقسامين إثنين؛ الأول دروز مع الرئيس أحمد الشرع، ومن بينهم وليد جنبلاط؛ والثاني دروز مع الشيخ طريف أو مع نتنياهو ومن بينهم كل الذين لا يقولون نفس كلام جنبلاط.
هناك مواقف درزية عديدة من قضية السويداء وليس موقفين إثنين حصراً وحتماً. يجب الاستماع لدروز سورية حتى يقولوا ما هي مشكلتهم مع إدارة أحمد الشرع؛ ويجب الاستماع لوليد جنبلاط ولغيره حتى يقولوا ما هي أسباب تنوع الرأي لدى الدروز بخصوص قضية مستقبلهم في سورية.
.. وبالعودة إلى وليد جنبلاط اللبناني؛ فهو بكلمات قليلة لم يتغير.. فأسلوبه منذ انتفاضة تشرين الشعبية اللبنانية لا يزال مثابر على تقمص أو توسل خصائص الواقعية وتحاشي العوم ضد تيار التحولات الكبرى التي لم تتوقف منذ عام ٢٠١٩..
أول خصائص جنبلاط وآخرها التي يتوسلها في هذه المرحلة يمكن إدراجها كالتالي: يتقصد أبو تيمور الاستسلام لتيار التحولات الكبرى الذي تشهده المنطقة، لأن وليد بك يعرف أن من يعوم ضد التيار العارم يأخذه التيار فيما يأخذ بطريقه، ويصبح أثراً بعد عين؛ وعليه فإن جنبلاط قرر أن يذهب من دون مقاومة مع التيار منتظراً عودته سالماً إلى حيث كان، وذلك بعد انتهاء زخم شد التيار وجذبه.
الحق يقال ان جنبلاط قارئ جيد للتحولات الكبرى؛ ولذلك فهو يعرف أنه اليوم موجود في أزمة صاخبة، وذلك حتى لو كانت تعبيرات هذه الأزمة صامتة ولا تقوم بها جماهير غاضبة تحمل يافطات ضد زعامة المختارة وتعادي مواقفها.
والواقع أن غالبية الدروز تعارض ما تعرضت له السويداء؛ وهي منحازة عاطفياً ووجدانياً أقله للتعامل بخيبة أمل مع إدارة الشرع. طبعاً مطلوب حل لهذه الأزمة؛ ولكن وليد جنبلاط يقول ان العقلانية تقتضي أن يكون المطلوب بالأساس وحالاً، هو انخراط سريع ونهائي مع أحمد الشرع من قبل الدروز؛ لأن الشرع هو من يمثل في هذه اللحظة مدخل الدروز للعلاقة السوية والمستقبلية مع العرب ومع المليار مسلم.
يريد وليد جنبلاط بموضوع السويداء أن يقول انه يأخذ موقفاً تاريخياً؛ فهو ينظر إلى موقع الدروز في المنطقة من شرفة تاريخية وليس من أحداث لها علاقة بصراع المحاور فيما لو بقي هناك محاور في المنطقة.
والواقع أن المختارة تمارس الحكم منقادة من ذاكرتها، بينما الرئيس أحمد الشرع يريد أن يحكم وهو منقاد من الأوراق القليلة وأحياناً الكثيرة التي بين يديه؛ في حين أن الذين يعارضون جنبلاط يريدون الانسياق مع تبدلات موازين القوى.
قد يكون جنبلاط أصاب كبد الحقيقة حينما قرر الانسحاب إلى خندق الواقعية حيث قال: ما يحدث الآن هو ليس أول حصار.. ربما كان الأصعب ولكن سبقته عمليات حصار كثيرة للمختارة… إنني – والكلام لا يزال لجنبلاط – مستعد للتعايش مع وضع يبقى فيه تيمور وحده في المختارة..
