خاص الهديل…
كهرمان….
لا يكفي تصريحٌ سياسيٌ واحد لإشعال حرب، مهما بدا صادماً أو حاداً. في الشرق الأوسط، اعتدنا منذ سنوات طويلة على لغة التهديد والمبالغة، لكن خلف هذه الضوضاء تكمن حسابات أبرد وأعمق تحكم حركة اللاعبين الإقليميين. وهذا تماماً ما ظهر بعد الضجة التي أثارها تصريح وزير إسرائيلي اعتبر أن الحرب مع سوريا “حتمية” عقب عرض عسكري سوري في الذكرى الأولى لسقوط نظام الأسد.
بعيداً عن وقع الجملة، يمكن القول بثقة إن الواقع لا يدعم هذا النوع من السيناريوهات. فإسرائيل اليوم ليست في وضع يمكّنها من فتح جبهة جديدة واسعة. جبهات غزة والحدود الشمالية تستنزف مواردها العسكرية والسياسية، والمؤسسات الأمنية داخلها تفضّل دائماً سياسة “خفض المخاطر” على الانزلاق إلى مواجهة شاملة غير مضمونة النتائج.
في خلفية المشهد، تستمر قنوات الاتصال غير المعلنة بين الطرفين، كما تفعل معظم الدول التي تتشارك حدوداً متوترة. هذه القنوات تُستخدم لتجنّب سوء الفهم، وتبقى فعّالة حتى عندما يتصاعد السجال السياسي إلى مستويات مرتفعة.
أبرز ما يعرقل أي اندفاع نحو الحرب اليوم هو الموقف الأميركي. فالإستراتيجية الأميركية الحالية في الشرق الأوسط تركّز على تثبيت الاستقرار في دول المنطقة ومنع اندلاع نزاعات جديدة تعرقل مشاريعها السياسية والاقتصادية. أي حرب سورية – إسرائيلية ستكون كفيلة بتفجير هذا المسار، ما يجعلها غير مرغوبة ولا مسموحاً بها ضمن الحسابات الأميركية الراهنة.
الدول الخليجية تسير في الاتجاه ذاته، حيث تعمل على تثبيت بيئة من الهدوء الإقليمي لدعم مشاريع التنمية والتحول الاقتصادي. وجود حرب جديدة سيعطّل خطوط الاستثمارات والربط الإقليمي التي يجري العمل عليها منذ سنوات.
أمّا التصريح الإسرائيلي الذي أثار الجدل، فهو أقرب إلى خطاب موجّه للداخل منه إلى إعلان نيات عسكرية. ففي لحظات الضغط السياسي، يلجأ بعض المسؤولين الإسرائيليين إلى رفع سقف التهديدات لتغطية أزمات داخلية أو لتوجيه رسائل ردعية لطرف ثالث. كما أن جزءاً من الطبقة السياسية الإسرائيلية يعاني من فجوة في قراءة الواقع السوري الجديد، إذ لا يزال عالقاً في صورة قديمة لا تشبه حاضر سوريا السياسي ولا موقعها الإقليمي الحالي.
خلاصة القول: المنطقة لا تتجه نحو حرب بين سوريا وإسرائيل، بل نحو إدارة توترات محسوبة. وما قيل عن “حتمية الحرب” ينتمي إلى عالم التصريحات لا إلى عالم الوقائع.
فالوقائع اليوم، من واشنطن إلى الخليج، تعمل في الاتجاه المعاكس تماماً: منع الاشتعال، وليس إذكاءه.


