خاص الهديل….

بقلم: ناصر شرارة
يحتمل أن يستمر بنيامين نتنياهو عشرة أعوام أخرى على رأس سدة الحكم في إسرائيل، ومن المحتمل بالمقابل أن ينقطع حبل حكمه في أية لحظة، وأن يدخل السجن..
ما يمكن استنتاجه من تاريخ إسرائيل وحياة اليهود داخل الحركة الصهيونية هو أن الإسرائيليين في لحظة ما سيسجنون حتما نتنياهو..
اليهود داخل الحركة الصهيونية تحولوا – بجزء منهم طبعاً – إلى انقلابيين على أنفسهم بمثلما هم إلغائيون للآخر الفلسطيني، ذلك أن دورة العنف عادة ما تكون مغلقة وطريق مسدود ولكنه باتجاهين(!!)، الخ..
وعليه يمكن القول انه يوجد في إسرائيل خصوصيات لم تصل للعرب بعد، وأغلب الظن أنها لن تصل إليهم، لأنهم لاهون عن الاهتمام بها؛ وإحدى هذه الخصوصيات الحرجة والأساسية والمهمة تقع في أن الصراع الصهيوني اليهودي اليهودي البيني لا يقل ضراوة ووحشية في بعض جوانبه عن الصراع الصهيوني اليهودي ضد الفلسطيني والعرب.
.. إسحق رابين قتله صهاينة يهود متطرفون؛ واريك شارون حينما أصابته غيبوبة طويلة، شمت به صهاينة يهود متطرفون واعتبروا أن الله عاقبه لأنه أمر بتفكيك مستوطنة نتساريم في غزة. ومناحيم بيغن كان فجر سفينة تحمل مستوطنين يهودا مهاجرين قادمين لفلسطين، لأن بريطانيا حاولت إرجاعهم من حيث أتوا.
وهناك منظرون متعمقون بالحركة الصهيونية والبيئات اليهودية بداخلها، يقولون ان هناك استراتيجية غير معلنة تخفيها إسرائيل عن الأعين، ولكنها تمارسها بحذافيرها؛ وتقول فحواها ان تل أبيب تصدر أزمتها الداخلية وتأجل انفجارها من خلال تصديرها للخارج بواسطة شنها للحروب. وبحسب هؤلاء فإن إسرائيل الداخل هي عبارة عن مجتمع قابل للتفجر من داخله فيما لو عاش لفترة غير قصيرة من دون أزمة خارجية.
قصارى القول هنا هو أن الحرب بالنسبة لإسرائيل ليس هدفها فقط منع نشوب حرب خارجية ضدها، بل هي قبل ذلك، لها هدف منع حدوث حرب بداخلها وبين مكوناتها.
ميكا عودمان المؤرخ الإسرائيلي كتب منذ ٨ سنوات كتاباً عنوانه “الفخ ٦٧”.. يقول فيه أنه بعد حرب ١٩٦٧ انقسم المجتمع الإسرائيلي بشكل حاد إلى قسمين إثنين؛ الأول يمثله اليمين القومي والديني، وهو يقدم حلاً لمعضلة الأمن عن طريق ضم الضفة والقطاع لدولة إسرائيل، ولكنه لا يجيب عن سؤال كيف يتم احتواء المعضلة الديموغرافية الناتجة عن تزايد عدد العرب داخل إسرائيل؛ ذلك أن ضم مواطنين عرب سيجعل إسرائيل ثنائية القومية..
أما التيار الثاني فيمثله “المركز” (المقصود يسار اليمين واليسار) وهو يقدم حلاً للمعضلة الديموغرافية ذات الصلة بضمان يهودية وديموقراطية الدولة من خلال اقتراح إعطاء نوع من الاستقلال أو حتى الدولة الفلسطينية في مناطق احتلال ٦٧، وبذلك يصبح العرب خارج حدود دولة إسرائيل، ولكن هذا المعسكر بالمقابل لا يعطي حلاً لمسألة الأمن الذي سيكون مهدداً على المدى الطويل فيما لو سمحت إسرائيل بقيام دولة فلسطينية بجانبها.
ويقول ميكا عودمان أن طرفي هذا الانقسام في إسرائيل (أي اليمين والمركز) توصلاً إلى تسوية فيما بينهما لحل هذا الخلاف؛ وهو ترحيل حسمه لوقت آخر. وتمت صياغة تسوية “تأجيل الحسم” تحت ضغط أن الذهاب لحسمه الآن سيقود حتماً لصدام إسرائيلي داخلي لن يكون فقط صداماً سياسياً بل أيضاً عسكرياً!!..
بهذا المعنى تعيش إسرائيل داخل نظرية تأجيل حسم كيف سيكون عليها مستقبلها: دولة يهودية ديموقراطية من دون العرب؛ أم دولة ثنائية القومية مع العرب؟؟؛ دولة مع العرب من دون ديموقراطية ومن دون أغلبية يهودية وبالتالي لا تعود دولة اليهود، أم دولة يهودية ولكن يوجد على حدودها اللصيقة صداع أمني اسمه دولة فلسطينية أو أي شكل من الكيانية الفلسطينية؟،.
مشكلة إسرائيل تكمن في أن اليمين مصر على ما يسميه بعدم التخلي عن “وحدة إسرائيل” (أي عدم التخلي عن الضفة ووحدة القدس وغزة)؛ وهذا اليمين مستعد أن يطلق النار على أي جهة تريد أو تحاول تقسيم إسرائيل، وحتى لو كانت هذه الجهة إسرائيلية. وبالمقابل قوى المركز (أو ما تبقى منها) مصرة على أن تعيش في دولة يهودية ديموقراطية؛ ولذلك فهي تقبل “بكيان فلسطيني ما” رغم الخطر الأمني الناشئ عن ذلك، طالما أن ذلك يسمح لإسرائيل أن تعيش في بيئة ديموغرافية ليس فيها أغلبية عربية وفيها حياة ديموقراطية يهودية.
في الشكل والجوهر يبدو أن الصراع داخل إسرائيل هو على نمط الحياة؛ حيث أن كلتي المعسكرين يريد فرض نمط حياته وثقافته على إسرائيل؛ وهذا ما دفع الطرفان للوقوع فيما يسميه ميكا عودمان فخ ال٦٧ المؤجلة عملية اطباقه على السلم الداخلي الإسرائيلي!!.

