خاص الهديل..
بقلم: ناصر شرارة
سار وليد جنبلاط أمس في دمشق في القصر الذي كان يلتقي فيه بالرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، وكان قبله والده كمال جنبلاط يلتقي فيه بالرئيس السوري حافظ الأسد.. الآن يجلس بمقابله أحمد الشرع الذي يريد أبو تيمور الإيحاء بأن حاجة (أي الشرع) في إقصاء بشار الأسد عن الحكم، إنما هو دليل إضافي وجديد على أن الله أمهل قتلة والده آل الأسد، ولكن لم يهملهم.
لقد تكلم أحمد الشرع بحضور وليد جنيلاط والوفد الدرزي الحزبي والديني الكبير الذي رافقه، عن أن نظام الأسد اغتال الرئيس رفيق الحريري وكمال جنبلاط وآخرين، ولكنه بنفس الوقت أكد الشرع أن الأصل في حديثه هو أنه يريد أن يتعاطى مع أحداث الأمس واليوم والغد من منطلق أنه يريد أن يكون دولة وليس ميليشيا؛ وخلص الشرع بخصوص فكرته المحورية هذه ليجزم بحضور جنبلاط ووفده الحزبي والديني، بأن الدولة لا تنتقم ولا تتصرف بردة الفعل وبدافع من ذاكرة الحقد.
في الشكل بدا حديث الشرع مرحباً بالزعيم الدرزي جنبلاط ولكن في العمق تحدث الشرع عن أنه يريد مع لبنان علاقة دولة مع دولة؛ ولا يريد أن يكرر طريقة النظام بالتعاطي مع لبنان بوصفه ملف وساحة صراع؛ ويجدر أن يكون كلام الشرع لجنبلاط بمثابة رسالة له ولجميع رؤوساء الأحزاب الذين يستعدون لشد رحالهم إلى الشرع في سورية؛ مفادها أن حكام دمشق الجدد يفضلون استقبال وفد دولة لبنان وليس وفوداً من أحزاب لبنان وزعماء طوائفه.
زد على ذلك أن زعماء طوائف دولة لبنان يتوجب عليهم أن يراعوا وجود فارق هام بين نظرة حكام سورية الجدد للشعب السوري ونظرة نظام الأسد له. فهؤلاء الحكام الجدد مسكونون بفكرة أن الشعب السوري هو أمة إسلامية وفيها تنوع يعترفون به لأسباب براغماتية مستجدة على سلوكهم؛ ولكن هؤلاء الحكام الجدد – وهنا الفكرة – لا يريدون إظهار أنهم يتصرفون على نحو ينتقص من صورة أن الشعب السوري هو أمة بحسب مفهومها الديني. وعليه فإن الشرع ضمناً لا يحب الوفود التي تحاول تذكيره بتنوع الأمة وبأن هناك مقابل يجب أن يدفعه من أجل نيل ولائها له؛ وذلك حتى لو كان تذكير بهذا الأمر يأتي تلميحاً وبين السطور…
ثمة أمر آخر مر عليه أحمد الشرع خلال لقائه بجنبلاط يجدر أن لا يمر في لبنان من دون توقف طويل عنده؛ وهو كلامه التالي: “نحن على مسافة واحدة من الخلافات اللبنانية التي لو بقيت فإنها لن تبني بلداً”؛ وحديثه عن أن ماضي العلاقة بين لبنان وسورية كان خاطئاً وهو لن يكرره: ذلك أن سورية – وهنا بيت القصيد – لا تريد التدخل بشؤون لبنان واذا تكلمت عن شأن لبناني فهي تتكلم كناصحة وليس كمتدخلة!!.
في لبنان يجب وضع آخر عبارة للشرع عن أن سورية لا تريد التدخل بشؤون لبنان ضمن إطار وتعليقها على حاجز المصنع الحدودي؛ ولا يعني اهتمام لبنان بعبارة الشرع هذه بأن بيروت لا تريد العلاقة مع دمشق ولكنها تعني بالتأكيد أن بيروت ترحب بشدة بتحرر الحكم في دمشق من عقد سكنتها طويلاً وأهمها أن لبنان أحد أخطاء سايكس بيكو وأن لبنان هو أحد محافظات سورية وأن وزير داخلية سورية يجب أن يكون في الوقت عينه وزير داخلية لبنان لأن الأخير هو مجرد صدى للحدث السوري، الخ..
ولعل أبو تيمور وريث كمال بك هو أكثر من يعرف ماذا يعني أن يقول مسؤول سوري كبير: لا أريد أن أتدخل بشؤون لبنان.. فهذه العبارة هي من خارج طبيعة تاريخ علاقة سورية بلبنان. فدمشق قبل حكم البعث وخلال حكم البعث كانت لفترة طويلة ترفض أن تفتح سفارة لها في بيروت لأن ذلك يعني اعترافها بأن لبنان دولة وليس جزء طبيعياً من سورية. ولفترة طويلة أيضاً ساد عُرف في الحياة السياسية اللبنانية والسورية يعتبر أن رئيس الحكومة اللبنانية هو سفير سوري فوق العادة في لبنان؛ بمعنى أن دولة الرئيس الثالث يمثل سورية – حسبما جرى عليه العرف الضمني – داخل مجلس الوزراء اللبناني؛ وعليه صارت قناعة دمشق أنه لماذا عليها أن ترسل سفيراً ليمثل مصالحها في بلد الأرز طالما أن رئيس حكومة لبنان يمثل مصالحها؛ وأيضاً صارت قناعة الرئيس السني الثالث في لبنان هي أنه ليس من مصلحة دولة رئيس الحكومة أن تعين دمشق سفيراً لها في لبنان لأن ذلك سيسلبه امتياز أنه يمثل مصالح سورية في حكومة لبنان بالإضافة لكونه رئيس حكومة لبنان.
وحينما تعاظم دور مصر في لبنان وصار المد الناصري عالي الموج؛ غضبت دمشق وبدأت تتحدث عن عزمها التمثل بسفارة لسورية في بيروت لتقف بوجه سفارة مصر في بيروت..
وكل ما تقدم يؤشر إلى أمر هام وهو أن حكام دمشق الجدد يريدون حسب تصريحاتهم، القطع مع تقليد التدخل بشؤون لبنان الداخلية، ولكن زيارة جنبلاط أمس لدمشق وتصرفات سياسيين كثر تطرح سؤالاً، وهو هل اللبنانيون يريدون أن تكف دمشق عن التدخل في شؤون لبنان الداخلية!!.