خاص الهديل-
ثمة حاجة للتوقف مليا عند سؤال عن ما إذا كان عهد الرئيس ميشال عون أصاب بالاحباط المسيحيين، وبخاصة الموارنة منهم؟؟.
طبعا السؤال بشكله العام، يبدو من نوع تحصيل الحاصل، ذلك أن الجواب عنه ببساطة يقول ان عهد ميشال عون أصاب كل اللبنانيين بالاحباط، ومنهم المسيحيين وبخاصة الموارنة .
.. ولكن ما يقصده السؤال بالتحديد ، هو أي نوع من الإحباط لحق بالموارنة نتيجة ما حصل خلال عهد الرئيس عون من فشل غير مسبوق في كل تاريخ لبنان ؟؟.
بعد تجربة عون الأولى في الحكم خلال تسعينات القرن الماضي، دخل المسيحيون، وبخاصة المورنة، في حالة احباط سياسي عميق، أدت بهم إلى إعتزال الحياة السياسبة ومقاطعة الأنتخابات..
وكان عنوان احباط المسيحيين في تلك الفترة هو انه ” لم يعد هناك ثقة لهم بمستقبلهم داخل لبنان ” ، اما اليوم فإن عنوان الإحباط المسيحي الثاني، بنتيجة ما أدى أدى اليه العهد العوني، فهو انه ” لم يعد لدى المسيحيين ثقة بمستقبل لبنان”.
والواقع انه ثمة فرق خطر بين ان تجربة ” الجنران عون” اخذت المسيحيين في المرة الأولى إلى احباط طال تزعزع ثقتهم بدورهم داخل البلد وداخل الدولة ” ، فيما تجربة الجنرال عون الحالية، وهو في موقع الرئيس القوي اخذت المسيحيبن ، وبخاصة الموارنة بينهم ، الى احباط على مستوى ثقتهم بإمكانية إعادة انتاج مفهوم البلد الرائد في محيطه.
والواقع انه في تسعينات القرن الماضي، انعكست الآثار السلبية للهزيمة التي مني بها ميشال عون، على كل المسيحيين، وتحولت هزيمة الجنرال آلى هزيمة لكل الموارنة.
وحاليا، ثمة من يدعو من باب الرغبة بتقليل الأضرار ، إلى الفصل بين “فشل عون” و”فشل المسيحيين” ، أو أقله عدم الربط بين هذين المركبين؛ خاصة أن تمثيل “العونية السياسية” للمسيحيين أصبحت في الوقت الراهن، أقل من الربع.. غير ان الأمور داخل الإجتماع المسيحي، لا يمكن النظر إليها على أنها أرقام يمكن فصل بعضها عن بعض، أو إحصاءات مادية خالية من الأعصاب شديدة الإستشعار والتأثر ؛ فالمجتمع اللبناني المسيحي متعدد سياسيا، وهذا امر صحيح؛ ولكنه يتسم بأنه متصل بعضه ببعض في تسجيل حساسية عامة وعاليه ترصد دائما أهمية موقع المسيحيين في لبنان.
.. وهذه الحساسية المتصلة للمسيحيين، ليس أساسها، صلة المسيحيين الموارنة بسمير جعجع ولا بميشال عون ولا بالكاردينال بشارة الراعي، الخ.. ، بقدر ما لها صلة بفعالية المواقع المسيحية الخاصة بالموازنة داخل تجربة الدولة اللبنانية أو داخل مشروع النظام السياسي للدولة اللبنانية، بغض النظر عن أسم المسؤول الماروني الذي يتولى هذه المواقع او ذاك من المواقع الرئيسة ..
.. وهذه المواقع الرئيسة ، هي بالتحديد التالية : موقع رئاسة الجمهورية التي تكمن أهميته بأنه الموقع الرئاسي الوحيد في الشرق الأوسط الذي يتولاه مسيحي. فالرئيس اللبناني هو فخامة رئيس التجربة المسيحية في كل الشرق وليس فقط في لبنان ، وعليه تبرز هنا أهمية موقع فخامة الرئيس في لبنان ، بأكثر من اسم وهوية فخامة الرئيس.
.. الموقع الثاني هو قيادة الجيش الذي تكمن أهميته من كونه موقع يلتقي عليه الوجدان الوطني اللبناني السيادي. واذا كان الجيش بالنسبة لكل اللبنانيين من كل الطوائف، هو ملاذ وطني؛ فإنه بالنسبة للموارنة والمسيحيين، هو “ملاذ وقلعة” ايضا.
.. الموقعان الآخران هما موقع حاكمية مصرف لبنان الذي كان لعقود طويلة رمزا لأهمية دور لبنان كمصرف رأئد للعرب.. وأيضا موقع بكركي التي “أعطي لها مجد لبنان”.
أن سقوط اي مسؤول ماروني في هذه المواقع الاساسية بغض النظر عن اسم هذا المسؤول الماروني، سيكون كفيلا بجعل المسيحيين، وبخاصة الموارنة، يشعرون بأن تجربتهم اللبنانية التي كانت رائدة، لم تعد بخير، وأن غيوما قاتمة ومليئة بالشكوك تسيطر على الأفق بخصوص مستقبل دورهم ومن ثم بخصوص مستقبل بلدهم كما يريدونه ضمن تجربة المسيحية الشرقية.
والواقع ان الاحباط الذي تركه عهد الرئيس عون على الموارنة مزدوج ؛ لأنه فيه ” إحباط “، وفيه ايضا “معنى الصدمة”؛ إذ قليلون من الموارنة كانوا يتوقعون أن ينتهي عهد الشخصية الاقوى مسيحيا ( ميشال عون ) بانهيار تجربة مائة عام من عمر لبنان .. بمعنى ان المواطن المسيحي يشعر بأن البلد أنهار على يدي الجهة المارونية الأكثر ادعاءا بأنها تمثل حقوق المسيحيين في مشروع الدولة والتي تدعي أنها الاقوى على مستوى تحقيق ما يريده المسيحيون في لبنان ومن لبنان!!.
السؤال الذي يراود الموارنة اليوم ليس ماذا بعد “الجنرال عون ” (؟؟) ؛ بل ما الذي يستطيعه المسيحيون بعد فشل تجربة ” الرئيس المسيحي القوي” وبعد انهيار الامل المعلق على الرئيس المسيحي” بيي الكل”!!.. وماذا يستطيعه الموارنة بعد أن أخذهم الرئيس المسيحي القوي خلال العقود الثلاثة الأخيرة إلى أكبر كارثتين في تجربتهم مع الوطن والدولة اللبنانية.
السؤال الذي يعبر عن احباط المسيحيين والموارنة ضمنا اليوم بات له ابعادا خطرة ؛ من نوع : هل لبنان لا يزال وطنا فعليا لأحلام المواطنية التعايشية؟؟ ؛ و ثانيا : هل فشل العونية المسيحية السياسية هي تعبير عن فشل مشروع حزبي ام فشل القدرة المسيحية على الصمود و التغيير والتطوير داخل مشروع التجربة اللبنانية الرئدة؟.. وثالثا : هل لا يزال ممكنا إعادة إنتاج معنى لبنان الريادي؟؟ .
.