خاص الهديل:
في حين أن الجميع يعتقد أن موقع رئيس الجمهورية بعد الطائف لم يعد له مكانة كل القرار في لبنان، فإن حزب الله، ممثلاً بالنائب محمد رعد قال أمس أن الحزب لا يوافق على كلام القائلين له بأن عليه إبداء مرونة تجاه إسم الرئيس، لأن موقع الرئاسة الأولى لم يعد مهماً؛ وأكد رعد أن الحزب يعتبر أن إسم الرئيس يحدد المسار الاستراتيجي للبلد خلال السنوات القادمة؛ وأن الرئيس الأول هو من يعطي الضمانات للجميع في لبنان(!!).
..بالنسبة لطيف كبير في الداخل والخارج فإن كلام حزب الله، كما أعلنه رعد أمس، لم يكن مفهوماً ببعديه السياسي والواقعي أو العملي..
وبرز رأيان حيال تفسير الخلفيات التي تقف وراء موقف حزب الله الذي قاله رعد أمس بخصوص موقع رئاسة الجمهورية ودور فخامة الرئيس العتيد:
الرأي الأول اعتبر أن حزب الله يتقصد المبالغة في تصوير حجم دور فخامة الرئيس حتى يقول للخارج والداخل أن موقفه من مجمل معركة رئاسة الجمهورية، هو موقف ينطلق من حسابات استراتيجية، وليس من تكتيكات داخلية. والمعنى من ذلك أن الحزب إذا كان بوارد التفاوض حول إسم فخامة الرئيس إلا أنه ليس بوارد التنازل..
..وبالخلاصة، فإن حزب الله كما يقال بالعامية “يكبر حجر دور وموقع فخامة الرئيس داخل معادلة حكم البلد” حتى يبرر بالمقابل “تكبير الأسباب” التي تجعله مضطراً لأن يمارس ضغوطاً استثنائية حتى يخرج رابحاً أو أقله ليس خاسراً من. المعركة الرئاسية..
..ولكن بمقابل منطق حزب الله هذا، هناك منطق يقول به معادون للحزب وأيضاً حلفاء للحزب؛ ومفاده أنه إذا كان فخامة الرئيس بعد الطائف خسر داخل معادلة الحكم أدواره المهمة الداخلية والتفصيلية، فكيف يعقل تصديق أن له دوراً على المستوى الاستراتيجي.. وكيف يمكنه أن يعطي ضمانات للآخرين، وهو عاجز عن اعطاء ضمانات لنفسه ولموقعه(؟؟)، الخ.. وأيضاً كيف يمكن لرئيس جمهورية انتقلت صلاحياته بموجب الطائف إلى مجلس الوزراء مجتمعاً أن يكون له القدرة على تحديد المسار الاستراتيجي للبلد لفترة مقبلة من السنوات؟؟..
وحتى لو ان كلام حزب الله عن “قدرة فخامة الرئيس الخارقة والاستراتيجية” قد قيل خلال جمهورية ال٤٣، حينما كان الحكم رئاسياً لحد بعيد في لبنان، لكان يمكن اعتباره صحيحاً نظرياً، ولكن ليس صحيحاً لا عملياً ولا واقعياً؛ لأنه حتى فخامة رئيس جمهورية ال٤٣ لم يكن يتجرأ على ممارسة كل صلاحياته الموجودة على الورق؛ إذ أن بعض هذه الصلاحيات، ومنها مثلاً “صلاحيته بحل البرلمان”، كان يتم التعامل معها فعلياً وعملياً على أنها “صلاحيات نفسية للمسيحيين” لا يبادر فخامة الرئيس إلى استخدامها في سياساته الرئاسية، لأن الغاية من وضعها هو تقديمها استخدامها كضمانات استراتيجية لطمأنة الوجود المسيحي وليس لطمأنة سياسات رئيس الجمهورية.
والواقع أن هناك جزءاً من صلاحيات رئيس جمهورية ال٤٣، تشبه فلسفة امتلاك السلاح النووي؛ حيث أن الدول لا تمتلك سلاحاً نووياً من أجل استعماله، بل من أجل منع الدول الأخرى من استعمال السلاح النووي ضدها..
وبكل الأحوال، فإن أصحاب هذا الرأي يقولون أن حزب الله يضخم موقع ودور فخامة الرئيس عن قصد، حتى لا يتهم بأنه يتعنت في ميدان يستطيع التساهل فيه..
..وإذا كان من خلاصة حكيمة يمكن الخروج منها كتفسير لكلام حزب الله أمس على لسان النائب رعد، فهي “أن حارة حريك مستعدة للتفاوض لاختيار الرئيس الأصلح، ولكنها ليست مستعدة للتنازل” .. وهذه العبارة الأخيرة [ليست مستعدة للتنازل] هي الجملة التي أضافها حزب الله على خطابه السياسي الرئاسي خلال ال٤٨ ساعة الأخيرة..
وهذه الإضافة قد تفسر وجود احتمال من نوع أن الحزب يستشعر بنضوج وقت التسوية داخلياً وخارجياً؛ ولذلك قرر الكشف عن جانب آخر من استراتيجيته في إجلاء حقيقة موقفه من الاستحقاق الرئاسي، ومن نظرته لموقع فخامة الرئيس المهم جداً والاستراتيجي من وجهة نظر حارة حريك – كما يفهم من كلام رعد – وليس الثانوي أو قليل الاهمية كما يقول كل الآخرين أو كما يحاول القول كل الآخرين..
الرأي الثاني فسّر كلام رعد عن موقع فخامة الرئيس المهم ودوره الاستراتيجي الذي يعطي ضمانات للآخرين، بأنه يعبر عن قناعة حقيقية عند الحزب، وليس نوعاً من “تكبير الحجر”، لأسباب تكتيكية..
..ولكن السؤال هو كيف وصلت هذه القناعة للحزب؟؟ .. وما هي المعطيات التي تجعله يعتقد، أو يقول أنه يعتقد بأن فخامة الرئيس بعد الطائف لديه قدرات تسمح له بممارسة أدوار إستراتيجية، علماً أن الجميع (في لبنان والعالم) يعرف بأن فخامة الرئيس بعد الطائف، لم يعد يملك سلطة لا مطلقة ولا حتى جزئية؟؟..
الإجابة المفترضة عن هذا السؤال تركز على المعطى الأساسي التالي؛ ومفاده أن ما يقصده ربما حزب الله ليس موقع فخامة الرئيس بذاته، بل”أهمية عملية الاتفاق الداخلي والخارجي” التي تؤدي إلى إبرام تسوية انتخاب فخامة الرئيس؛ وهي التسوية التي تحتضن ولادة اسم وهوية ودور فخامة الرئيس.
.. وعليه، فإن أهمية موقع فخامة الرئيس – بحسب الحزب – لا تتأتى من أهمية صلاحياته القليلة، بل تتأتى من أهمية صلاحيات التسوية الداخلية والخارجية الكبيرة حول اسمه، والتي تضمن للآخرين أدوارهم ومصالحهم في عهده..