خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
يُعتبر الصحافي الإسرائيلي يوسي ميلمان من أكثر المحللين الأمنيين الذين لديهم صلة بالمستوى الأمني الإسرائيلي.. وقبل أيام كتب ميلمان لصالح صحيفة بريطانية مقالة مطولة ينقل فيها عن ضابط إسرائيلي كبير قوله ان السيد حسن نصر الله أخطأ حينما اكتفى بتوجيه ضربات صاروخية بعد ٧ أكتوبر ٢٠٢٣؛ ولم يقم حينها بشن هجوم بري على إسرائيل خلال الأيام الأولى من عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حماس.
يقول ميلمان أنه وفق التقدير العسكري الإسرائيلي فإن أمين عام حزب الله السابق لو فعل ذلك (فتح جبهة برية) لكانت مجموعات الحزب وصلت إلى بحيرة طبريا؛ ما سيؤدي إلى وقوع إسرائيل بأزمة استراتيجية. ويوحي كلام مليمان أن الحزب كان يمكنه أن ينتصر لو شن حرب برية بالتزامن مع هجوم حماس أو مع الأيام الأولى من هجومها.
ويجري يوسي ميلمان في مقالته مراجعة لوقائع الحرب التي جرت بين إسرائيل والحزب؛ ويرى أن قيادة حزب الله بحسب التقدير العسكري الإسرائيلي، أخطأت حينما اكتفت بشن هجوم صاروخي فقط في إطار إسناده لحرب غزة ولم يشن حرباً برية هجومية. لقد أطلق الحزب خلال ١١ شهراً نحو ١٥ ألف صاروخاً وقذيفة وطائرة من دون طيار، الخ.. وبالمقابل ردت إسرائيل بتدمير قرى وبنك أهداف كبير ضد كوادر وبنى الحزب جمعته على مدار ١٥ عاماً؛ لكن الضربة القاسمة تمثلت بتفجيرات البيجر التي مهدت الطريق لإضعاف حزب الله وقبوله باتفاق وقف النار..
والواقع أنه إلى جانب سردية ميلمان عن ما حدث على جبهة إسناد غزة؛ توجد سرديات إسرائيلية أخرى حول هذا الموضوع، وذلك بهدف استخلاص العبر الاستراتيجية من حرب لبنان الثالثة. ولكن يلاحظ أنه بمقابل أن إسرائيل قررت إنشاء لجنة تحقيق لفحص أسباب التقصير بحرب طوفان الأقصى ومعرفة أين أخطأ الجيش والشاباك؛ فإن إسرائيل لم تدعو إلى إنشاء لجنة تحقيق مماثلة لفحص ما إذا كان هناك أخطاء وتقصير من قبل الجيش والموساد بخصوص حرب لبنان الثالثة.. وربما سبب ذلك يعود إلى وجود اعتقاد لدى إسرائيل بأنها في حربها الأخيرة مع حزب الله لم تعترضها أي مفاجأة هامة، وذلك بعكس حربها مع غزة التي بدأت بزلزال من المفاجآت التي فعلتها حماس.
ويجد هذا الأمر تفسيره أكثر بمقولة ذكرها غسان سلامة بإحدى مقابلاته حينما قال ان حرب إسرائيل على غزة كانت حرباً انتقامية ولم تكن مخططة سلفاً ولذلك سادها الإرباك والمفاجآت التي وقعت بها إسرائيل؛ بينما حرب إسرائيل على حزب الله في لبنان كانت مخططة منذ عدة أعوام ولذلك تم تنفيذ سيناريو ضرب الحزب بعناية وبدقة.
قائد الجيش الإسرائيلي السابق كوخافي اعترف بتسجيل صوتي مسرب عنه بأن إسرائيل لم تخطط قبل حرب طوفان الأقصى لشن حرب على حماس؛ وبدل ذلك كان القرار هو اغتيال محمد ضيف ويحيى السنوار؛ أما الأولوية فكانت تتمثل بشن حرب ضد حزب الله، واستتباعاً ضد إيران. ومنذ ذلك الوقت صممت إسرائيل خططاً لضرب حزب الله..
وقبل أيام تم تقديم إثبات جديد على أن إسرائيل كان لديها قرار مسبق بشن حرب على حزب الله؛ وذلك عندما سمح الموساد من خلال برنامج وثائقي بنشر معلومات عن كيفية تخطيط عملية تفجيرات البيجر، حيث ظهر في البرنامج أن إسرائيل خططت لهذه العملية منذ عشرة أعوام؛ وتم تصنيف هذه العملية على أنها تمثل لحظة الذروة في الحرب على الحزب.
على جانب حزب الله يلاحظ أنه لم تصدر من قبله حتى الآن أية سردية تشرح رأي الحزب المبدئي والمهني العسكري بما حدث خلال حرب إسناد غزة. مثلاً لم يحمل الحزب أية مسؤولية لأي طرف بداخله عن التقصير في منع تفجيرات البيجر. ولكن يلاحظ أنه خلال الفترة القريبة الماضية تم من خارج الحزب الإفصاح عن مضمون نصائح كانت وجهت إليه خلال الحرب نصحته بأن يوقفها حتى يتحاشى الوصول إلى وضع صعب. مثلاً يقال ان الرئيس ميشال عون أرسل للحزب خلال الحرب يقول التالي: أنا أول من قال في حرب العام 2006 أنه سيكون النصر حليف الحزب؛ وأنا اليوم أقول أن هذه الحرب لا يمكن كسبها؛ وعلى الحزب التوقف ومراجعة الموقف..
والواقع أن الفارق التكنولوجي لصالح إسرائيل الذي ظهر خلال الحرب، لم يكن هو السبب الوحيد والأساس الذي دعا الكثيرين حينها كي ينصحوا الحزب بالتوقف عن الاستمرار بالحرب، بل إلى جانبه كانت توجد أسباب أخرى وجيهة أبرزها أن الحزب هو الذي بدأ الحرب؛ وبنظر كثيرين فإن هذا الأمر كان خطأ كبيراً؛ لأن مقاومة حزب الله كانت ستكون محل إجماع لدى اللبنانيين لو كانت نقطة البداية فيها دفاعية وليست هجومية.
وبالنهاية وبانتظار ظهور سردية الحزب حول ما حدث يمكن في هذا الوقت المبكر استخلاص استناج أساسي مستقى من مجموعات مقالات رأي اسرائيلية، ومفاده أن إسرائيل في العام ٢٠٠٦ تفاجأت بقوة حزب الله، فيما الأخير في حرب العام 2024 تفاجأ بمدى التحضير الكبير الذي كانت إسرائيل رتبته للحرب ضده.