خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
توفي جيمي كارتر عن مئة عام؛ وهذا بلا شك عمر مديد.. ويشكل وفاته مناسبة لفتح كتاب سيرته السياسية بوصفه أنه حكم لفترة ولايتين، أكبر وأقوى دولة في العالم. يختلف جيمي كارتر عن غيره من نظرائه الرؤساء الأميركيين في الكثير من الأمور، إلا في أمر واحد؛ فهو يتشابه فيه معهم جميعاً وذلك إلى حد التطابق، وهو دعم إسرائيل لأقصى حد.
وسيرة كارتر كما سيرة كل رؤساء بلاد العم سام تطرح على المواطن والباحث والسياسي العربي سؤالاً صار تقليدياً وخالداً؛ وهو ما سر تعلق رؤوساء أميركا باسرائيل؟؟.. ولماذا يختلف بايدن عن ترامب ويختلف كارتر عن ريغان ويختلف نيكسون عن فورد في كثير من الأمور؛ ولكن هؤلاء الرؤساء جميعهم لا يختلف أي منهم عن الآخرين بموضوع دعم إسرائيل وإعلان حبهم لإسرائيل والتزامهم بدعمها سواء كانت على حق أم على خطأ.
كثيرون تحدثوا عن السبب أو عن الاسباب التي تجعل رؤوساء أميركا يتشابهون في دعمهم لإسرائيل؛ ولكن باراك أوباما سلط الضوء في كتاب له حبره بعد خروجه مباشرة من البيت الأبيض، على سبب مميز يقف من وجهة نظره وراء جعل أقوى رئيس أميركي يجد نفسه ضعيفاً بمقابل أضعف رئيس وزراء إسرائيلي..
ويشرح كارتر السبب من خلال قوله بما معناه أن جماعة النخب الأميركيين الذين يخرج من بينها رؤوساء أميركا؛ يولدون على سرير يعلمهم الحب لإسرائيل والتعلق بها ودعمها حتى آخر نفس لديهم؛ فهؤلاء خلال طفولتهم تحكي لهم أمهاتهم عن “رومانسية قيام دولة إسرائيل”؛ ففلسطين بحسب هذه الحكاية هي أرض بلا شعب قصدها شعب بلا أرض!!
ثم عندما تدخل جماعة النخب الأميركية إلى المدارس، فإنهم يتعلمون في كتب تمجد إسرائيل، وتشرح أهمية الدفاع عنها تحت عنوان أنه حتى تستحق شرف أنك مناهض للسامية عليك أن تكون مع حق إسرائيل بأن تفعل كل شيء وأي شيء. وحينما يدخل هؤلاء إلى الجامعات فهم يتعلمون المواد الإنسانية على يدي معلمين يهود صهيونيين ومن خلال كراريس كتبها أساتذة يهود صهيونيين.
.. وكل ما تقدم يوضح أن النخبة التي بالعادة يخرج من بين ظهرانيها رؤوساء أميركا، يتعلمون حب إسرائيل منذ طفولتهم حتى آخر لحظة في مسار تشكل وعيهم في الجامعة والبيت والتفاعل مع البيئة العائلية العاطفية.
بالمقابل لا يوجد داخل هذا المسار الخاص بتشكل وعي المواطن الأميركي العادي أم النخبوي، كلمة واحدة عن الفلسطيني الذي يقتله الإسرائيلي الصهيوني والذي يطرده الصهيوني من أرضه؛ بل هناك مسار تثقيفي أميركي يتحدث عن أنه كلما تخلص الصهيوني من الفلسطيني كلما اقتربت ساعة الخلاص.. وللغرابة فإن هذه الفكرة يؤمن بها الملايين في أميركا الذين هم صهاينة يهود وأيضاً مسيحيون. وكان بايدن أكثر من عبّر عن هذا الخليط الصهيوني حينما قال “ليس ضرورياً أن تكون يهودياً حتى تكون صهيونياً!!”
أخطر ما في تفكير هذه البيئة هي أنها تخلط على نحو غير علمي وغير أخلاقي بين العداء للسامية وبين العداء للعرب وللمهاجرين العرب؛ فهي – أي هذه البيئة – تتقصد التضليل عن طريق الافتراء والقول ان رفض العرب للاحتلال الإسرائيلي هو جزء متصل من استمرار العداء للسامية التي برزت في أوروبا.
تتجاهل هذه البيئة أن مسألة العداء للسامية برزت في أوروبا ونمت هناك، بينما الصراع بين الفلسطيني والإسرائيلي برز بفعل توجه الحركة الصهيونية لطرد الفلسطيني من أرضه واستطيانها. لكن الحركة الصهيونية ومؤيديها لا يريدون الاعتراف بأن هناك تاريخاً منفصلاً للشرق الأوسط، وبدل ذلك يصرون على أن نقطة بداية العداء للسامية واحدة؛ وعلى أن أي عداء لإسرائيل هو عداء للسامية.
وخلاصة القول بمناسبة وفاة كارتر الرئيس المعمر الذي عاش قرناً كاملاً من الزمن؛ أنه بخلال حياته ساهم كارتر في إشعال حروب وساهم في إنشاء تسويات بين العرب وإسرائيل؛ ولكنه بالنهاية ترك وراءه كما فعل جميع رؤوساء أميركا بصمة تؤكد على مقولة كيسنجر ومفادها أنه “لا يوجد للولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط سياسة خارجية أميركية بل يوجد سياسة خارجية إسرائيلية”!!