خاص الهديل…
غنوه دريان…
وسط هذا الكم و الرعب الذي عاشه السوريون طوال خمسة عقود تدعونا عشرات الصور التي تمّ التقاطها من قصور الأسد الرئاسية لمخلفات ألبومات الصور العائلية، له ولأسماء وغيرها من رموز السلطة ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، وما أثارته لاحقاً من تفاعل يكاد يطغى على صور وفيديوهات نصر الثورة ذاتها، تدعونا إلى التساؤل حول سبب هذه الظاهرة، ورمزية هذه الصور لدى السوريين.
فما حدث هو أن الأسد قد فرّ وخلّف وراءه هذه الألبومات، التي سرعان ما بدأ السوريون بتناقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتهكّم عليها تهكّماً مبالغاً به، وصل إلى حد إنشاء حسابات وصفحات خاصة بصور “كلاسين” الأسد الرئاسية.
تحقّق الانتصار أخيراً. دُحرت قوى الطغيان وتفكّكت خرسانات الاستبداد التي أحاطت وشيّدت حكم آل الأسد طوال 53 عاماً، والتي بلغ صيت تماسكها، بعد دعم الحلفاء للنظام المخلوع، حد الاعتقاد بعدم وجود قوة عسكرية، أو حتى إلهية، قادرة على تخليص السوريين من صرح الطغيان القائم على دماء وصرخات الشعب السوري، صاحب الأرض والسيادة.
الأسد فرّ وخلّف وراءه هذه الألبومات، التي سرعان ما بدأ السوريون بتناقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتهكّم عليها تهكّماً مبالغاً به، وصل إلى حد إنشاء حسابات وصفحات خاصة بصور “كلاسين” الأسد الرئاسية
ما إن سقط النظام، حتى توجّهت عيون الجميع من القصر الجمهوري الفارغ في الأعلى إلى سراديب الزنازين المظلمة الكائنة أسفل القاع السوري؛ تم تداول عشرات الصور والفيديوهات لتحرير المعتقلين، ورواية قصصهم ومعاناتهم ومعاناة ذويهم، ظروف الاعتقال وأدوات التعذيب، الوجوه الفاقدة لأي معنى من معاني الحياة، عيون تنظر إلى العدم، كلام متلعثم حُرِم التلاحم مع الحنجرة عشرات السنين، ذاكرة مفقودة وعقول غابت حتى انصهرت تلافيفها مع بقايا أرواح أصحابها، لتخرج جوفاء خالية إلّا من الخوف والرهبة والعقد النفسية.
وبذلك عاش السوريون 53 عاماً في طبقات مختلفة من السجون، ربما يبدو أقساها وأظلمها سجون سمعتم بها في الآونة الأخيرة، كسجن صيدنايا، وسجن فرع فلسطين، وسجن المزة، وغيرها الكثير من السجون التي وصفت على كثرتها كأنها مدينة تحت الأرض، ولكن واقع الأمر أن السوريين في مناطق سيطرة النظام البائد كانوا يعيشون في عدد لا متناهي من السجون متفاوتة الطبقات، يُزِجّون بأرواحهم وكيانهم فيها بحسب جرأتهم.
وسط هذا الكم من الرعب والضغط النفسي الكبير، تدعونا عشرات الصور التي تمّ التقاطها من قصور الأسد الرئاسية لمخلفات ألبومات الصور العائلية، له ولأسماء وغيرها من رموز السلطة ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، وما أثارته لاحقاً من تفاعل يكاد يطغى على صور وفيديوهات نصر الثورة ذاتها، تدعونا إلى التساؤل حول سبب هذه الظاهرة، ورمزية هذه الصور لدى السوريين.
فما حدث هو أن الأسد قد فرّ وخلّف وراءه هذه الألبومات، التي سرعان ما بدأ السوريون بتناقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتهكّم عليها تهكّماً مبالغاً به، وصل إلى حد إنشاء حسابات وصفحات خاصة بصور “كلاسين” الأسد الرئاسية.
ولا شكّ في أن السبب وراء سلوك السوريين هذا يعود بالأساس إلى السرّية والتكتّم التي أحاطت عائلة الأسد نفسها به، منذ تولي الأسد الأب وإلى آخر لحظة من سقوط الأسد الابن، فقد أحاطت العائلة نفسها بجدران سميكة من القداسة والألوهية التي خلقت تعطّشاً وفضولاً وافراً لدى السوريين لمعرفة خبايا الحياة العائلية الحميمية لـ “القائد” الهارب، وتفاصيل معيشته حتى ولو كان خبراً كاذباً.
ولكن بمقاربة أكثر تعمّقاً لهذا السلوك، ربما يبدو الأمر محاولة لتجاوز صورة الأسد لدى السوريين، والتي حاولَ الرئيس المخلوع وزبانيته وأبواقه الإعلامية تصديرها بغير ما هي عليه على مدار 25 عاماً من حكمه غير الموصوف، صورة تُظهِرُ الأسدَ بوصفه “نصف إله”؛ صور بأحجام ضخمة تتصدَّر كلّ شيء، الساحات، الشوارع، المكتبات “الوطنية”، المكاتب العقارية، وصولاً إلى أكشاك وبسطات بيع الدخّان في عشوائيات دمشق وحلب وغيرها من المدن الكبرى.
حقيقة الأمر لا يوجد شيء ملفت في “كلاسين الأسد” أو محتويات القصر البائس الذي تعكس برودته طبيعة العلاقات بداخله، إنما في تداول أخبار القصر الغامضة، محاولة تسدّ فيها نشوة السخرية المؤقتة ثغرة اللهاث حول حقائق لن تشفي غليل أحد، ليتضح السر حول هذا الغموض، وهو أنه لا يوجد سرّ أصلاً، لا يوجد معنى، لا توجد إجابات، لا يوجد معنى خلف تلك العائلة الهلامية الخاوية الّلهم إلا من الأمراض والسادية والعقد النفسية التي قاموا بصبّها علينا، سحقتنا نحن الشعبين السوري و اللبناني ، وغذّت ساديتهم على مدار عقود عجاف.
ومجرد التغني بهذه الصور والطريقة التي عرضت بها فما هو سوى ترجمة لما عاناه السوريون من اجرام وخداع من نظام الأسد فجاءت حالة الهستيريا هذه لتفسر لعنة الانتقام من طاغية حكمهم بالحديد والنار وجمعهم في حالة واحدة وهي حالة الغضب والكراهية والحقد والعجز .