خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
يوم ١٠ يناير الحالي سوف يكون للبنان أغلب الظن رئيس جمهورية جديد؛ وبحسب أكثر التوقعات انتشاراً؛ فإن الرئيس الجديد سيدعو سريعاً لاستشارات نيابة تمهيداً لتسمية دولة رئيس الحكومة؛ ومن ثم سينقاد البلد بتشجيع دولي لتشكيل حكومة استقرار لبنان بعد فترة طويلة من عدم الاستقرار على كل المستويات.
.. وضمن التكهنات أيضاً أن فخامة الرئيس الجديد قد يدعو لحوار وطني لبناني عام، يواكب ولو بشكل غير مباشر “الحوار الحوار الوطني العام” التأسيسي المنتظر أن ينطلق قريباً في سورية كي ينقل البلد هناك من مرحلة ما بعد الأسد إلى مرحلة إنشاء حكم جديد؛ وذلك تحت عنوان الانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة والحوكمة الرشيدة.
.. في لبنان؛ رغم أن ظروفه مختلفة عن سورية، إلا أنه جيوسياسياً يعيش نفس تراجيع الزلزال الذي حصل بالتتابع في المنطقة منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ حتى سقوط الأسد قبل ثلاثة أسابيع.. وعليه، سيكون على فخامة الرئيس الجديد أن يجلس على رأس طاولة الحوار الوطني؛ وسيحتاج إلى بصيرة وهو يقلب فكرة متى يحدد أول جلسة للحوار الوطني العام: في سورية هناك رأيان حول متى يجب عقد الحوار الوطني العام ؛ الرأي الأول يدعو للتأني؛ ويوصي بأن يسبق الحوار الوطني العام السوري، حوارات تراعاها الإدارة الجديدة للحكم والمنتديات الأهلية، الخ.. ولكن أحمد الشرع يصر على أن يكون موعد عقد الحوار قريباً؛ رغم أن هناك أجواء داخل الفصائل التي شاركت في “حرب ردع العدوان”، تقول انه ليس لأحمد الشرع حاجة لحوار وطني كي ينتج شرعية لعملية صياغة آليات حكم سورية الجديدة، كون الفصائل التي حررت سورية تملك “الشرعية الثورية” المدعومة من الشعب!!.
..ربما هذا الرأي الأخير (الشرعية الثورية) هو أكثر ما يمكن أن يخشاه الشرع والشعب السوري على السواء، كونه يؤشر إلى أن الثوار الذين قادهم الشرع في معركة إسقاط الأسد، لديهم رغبة بأن يصبحوا انقلابيين يسيطرون على السلطة وفق خارطة طريق تفيد بأن يتحولوا من “سلطة أمر واقع” إلى “سلطة الشرعية الثورية”؛ وأن ينتقلوا بالتالي من مربع إعلان البلاغ رقم ١ الذي أعلن إسقاط الأسد، إلى إعلان البلاغ رقم ٢ الذي يعلن حكمهم لسوريا مكان الأسد!!.
وبالتوازي – رغم التحفظ على نسبة تطابق المقاربة – فإنه بمقابل أن أحمد الشرع يريد استعجال الحوار الوطني لينقل البلد من سلطة الأمر الواقع لسلطة الدولة وليس سلطة الشرعية الثورية؛ فإن أخطر ما يمكن أن يسمعه فخامة الرئيس اللبناني من مقترحات حينما يدخل لقصر بعبدا، هو المقترح الذي يوصيه بأن يسرع موعد عقد المؤتمر الوطني للحوار؛ ذلك أنه على فخامة الرئيس في لبنان – على عكس سورية – أن يؤكد أولاً حكم الدولة عبر تشكيل حكومة فاعلة وفيها كل ملامح الحوكمة التي تؤشر إلى أن البلد انتقل من حالة ضعف الدولة إلى حالة تقوية الدولة وتمكينها؛ وهنا يقع الفرق بين حالة سورية التي لا دولة فيها وحالة لبنان التي هناك دولة فيه ولكنها غير متمكنة.
وربما أهم إشارة يمكن لفخامة الرئيس أن يوحي بها في هذا المجال هي أن يقدم للمجتمع اللبناني وجهاً جديداً لرئاسة الحكومة يؤشر لتجديد الدم السياسي التنفيذي..
ورغم حاجة لبنان لنصب طاولة حوار وطني؛ إلا أن موعد عقدها يجب أن يتأخر أغلب الظن إلى ما بعد إجراء الانتخابات النيابية التي قد يكون من المفيد تبكير موعدها. والفكرة الأساسية هنا هو أنه لا يجب على فخامة الرئيس أن يضع طاولة الحوار الوطني بوجه طاولة مجلس الوزراء الذي يحكم مجتمعاً لبنان والذي سيتم النظر إليه بوصفه الدولة العائدة.
..وعليه فإن مجلس الوزراء الأول الذي سيتم تشكيله بعد انتخاب فخامة الرئيس، سيكون هو أولوية الرئيس خلال بدايات عهده؛ وسيكون هو عدة حكمه ومستشاره الأساسي لمواكبة مرحلة نقل إدارة الحكم في لبنان من وضع الأمر الواقع السياسي القائم إلى وضع الحوكمة الرشيدة المرجو.. ثم الإنجاز الثاني الذي يجب على فخامة الرئيس أن يدفع به إلى الأمام؛ هو تغيير قانون الانتخابات حتى تتمكن الدولة العائدة من إنتاج برلمان يمثل إرادة الشعب وليس إرادة قانون انتخاب مفصل على قياس مصالح إرادة حكم رؤوساء أحزاب الطوائف.
.. إلى ذلك فإن إحدى الأفكار الاستراتيجية التي سيتحتم على فخامة الرئيس العتيد أن تجول يومياً في خاطره؛ هو قيامه بتحديث يومي لمواكبة إدراك التحول السياسي الذي حدث في سورية.
..صحيح أن لبنان لا ينقاد من سورية كما قال البطريرك صفير؛ ولكن الصحيح أيضاً أن لبنان لا يحكم من خارج النظر بحصافة إلى ما يحدث في سورية، ولا يحكم من غير التوقع الدائم لتأثيرات ما يحدث في سورية على لبنان؛ فسورية هي الحدود البرية الوحيدة للبنان، وهي ممره الاقتصادي والثقافي والسياسي إلى العالم العربي؛ وهي رئته السياسية والاقتصادية وهي الدولة العربية والإسلامية الكبيرة الموجودة بجانب دولة لبنان الصغيرة وذات نموذج الحكم المختلف.
دائماً كانت علاقة لبنان بسورية هي علاقة “سلم ساخن” أو “تفاعل ولكنه متوتر”؛ وهذه السمة ظلت قائمة أيام حكم البعث وأيام حكم الحكومات غير البعثية. ولكن الجديد اليوم هو أن سورية خرجت من عصر إلى عصر وليس فقط من حقبة إلى حقبة؛ وعلى فخامة الرئيس الجديد أن يرسم أفقاً لبنانياً يمكنه التكيف مع العصر السوري الجديد..
هناك أفكار من نوع أن تكون أول زيارة لفخامة الرئيس هي لسورية؛ وذلك بعد زيارته للسعودية. وهذه الفكرة قد تواجهها تحديات برتوكولية؛ ولكن الحاجة اللبنانية الإقتصادية والسياسية والأمنية لسورية قد تحتم القفز فوق الاعتبار الشكلي. وبالتأكيد لم يعد المجلس الأعلى اللبناني السوري يعبر عن اللحظة الراهنة؛ وربما كان فخامة الرئيس مدعو لإلغائه في واحدة من أولى قراراته؛ وذلك ليس من باب إظهار النكد للمرحلة السورية السابقة، بل لإظهار رغبة فخامة الرئيس بالتكيف وفق مصلحة لبنان مع المرحلة الجديدة في سورية؛ ومثل هذه الخطوة رغم رمزيتها إلا أنها تطير رسالة إيجابية للإدارة الجديدة في سورية.
..ربما يجدر بفخامة الرئيس أن يخصص وقتاً من خطاب القسم لإرسال إشارة إلى اهتمام العهد الرئاسي الجديد واهتمام لبنان بعلاقة جديدة مع سورية يستفيد منها البلدين الجارين اللذين لا يمكنهما إدارة الظهر لبعضهما البعض.