خاص الهديل ..
بقلم: ناصر شرارة
دخل لبنان تعقيدات وجوده سياسياً في هذه اللحظة بين مرحلتين إثنتين: مرحلة ما بعد يوم ٢٧ يناير الحالي الذي مر من دون تنفيذ إسرائيل التزامها بالانسحاب من جنوب لبنان؛ ومرحلة منتظر نهايتها يوم ١٨ فبراير القادم حيث يفترض أن ينفذ نتنياهو التزامه لترامب بإتمام الانسحاب من جنوب لبنان.
والواقع أن الظروف التي تفاعلت بين هذين الموعدين تسببت بعدة مستجدات حتى لا يقال بعدة تعقيدات:
أولها هو جعل ملف تشكيل الحكومة يدخل سجن الفترة الزمنية التي تفصل بين عدم وفاء واشنطن بوعدها للبنان يوم ٢٧ يناير الحالي لجهة إجبار نتنياهو على اتمام انسحابه من جنوب لبنان؛ وبين يوم ١٨ فبراير المنتظر أن يتم خلاله اختبار ما إذا كانت واشنطن ستفي هذه المرة بالتزامها للبنان بسحب الجيش الإسرائيلي من الجنوب.
ثاني هذه المستجدات أو التعقيدات التي تلت ما يمكن تسميته بـ”خيانة واشنطن” تمثلت بتغير الانطباع الداخلي حول مدى الدعم الدولي وبخاصة الأميركي، للعهد الرئاسي الجديد؛ ما شجع كل القوى اللبنانية لتفضيل دخولها بحالة انتظار لكيفية تطور الأوضاع على جبهة الجنوب خلال فترة بين موعدي ٢٧ يناير و١٨ فبراير وذلك على حساب انخراطها بمهمة تسهيل حكومة العهد الأولى كما كان التوجه سائداً قبل ٢٧ يناير أي قبل “يوم الخيانة الأميركية”.
المستجد الثالث أو التعقيد الثالث عبرت عنه اليوم دراسة لمعهد الأمن القومي الإسرائيلي الذي يعكس بالعادة توجهات المستوى السياسي الإسرائيلي حيث جاء فيها معطيان إثنان وصفتهما الدراسة بأنهما سيشكلان أولويات إسرائيل تجاه لبنان في المرحلة المنظورة:
المعطى الأول الذي ركزت عليه الدراسة يفيد بأن على إسرائيل أن تركز في هذه المرحلة وفي المرحلة المقبلة على أولوية منع عودة حزب الله إلى جنوب لبنان بخاصة؛ أما المعطى الثاني فيركز على أن المستوى السياسي في إسرائيل يجب أن يتوقع بروز تباين وخلافات في وجهات النظر بين تل أبيب والعهد الجديد في لبنان حول تفسير تطبيقات القرار ١٧٠١.
ومن خلال الأولويات التي حددتها الدراسة لحكومة نتنياهو تجاه لبنان، يبدو واضحاً أن هناك خشية من أن يتحول الجهد الخارجي والداخلي من مسألة تثبيت الاستقرار السياسي الداخلي من خلال تسهيل تشكيل الحكومة إلى مسألة تثبيت الاستقرار السياسي انطلاقاً من الجنوب والوضع فيه.
إلى ذلك يبرز على جدول الانتظار اللبناني للمواعيد الأميركية موعداً جديداً سيشغل بال الإرباك السياسي اللبناني الداخلي؛ وعنوانه زيارة نتنياهو لترامب نهاية هذا الأسبوع. وعلى ضوء نتائج هذا الاجتماع سيكون من الممكن تلمس إلى أين ستتجه العلاقة الأميركية الإسرائيلية تجاه عدد كبير من ملفات المنطقة، أبرزها ملف الكرد في سورية وترتيبات الأمن على الحدود اللبنانية الإسرائيلية وموقع هذين الملفين داخل خطة ترامب لتحجيم إيران وإعادة إحياء الصلح الإبراهيمي وأخذ كل المنطقة لأفق جيوسياسي واقتصادي وأمني جديد.
وبالخلاصة فإن كل هذه المواعيد المحصورة بين ٢٧ يناير الفائت و١٨ فبراير تدعو للحذر وتدعو القوى السياسية اللبنانية للانقسام إلى فريقين؛ الأول (بخاصة حزب الله وإيران) يرى أن الفترة بين ٢٧ يناير الفائت و١٨ شباط القادم تمثل مساحة اختبار تظهر مدى الضغط الذي سيمارسه ترامب على نتنياهو، وتظهر ما إذا كان هذا الضغط جدياً؛ أم أن الرجلين لديهما أجندة سرية تجاه لبنان متفق عليها ولم تنته فصولاً بعد؛ والفريق الثاني يرى أن هذه الفترة هي حقبة متصلة بالحقبة السابقة التي غيرت موازين القوى في المنطقة؛ وعليه يجب انتظار المزيد من التغييرات الجيوسياسية المتوقع أن تجري في غير مصلحة الممانعين، وبناء المواقف بحسبها..
وضمن هذه الأجواء يبدو أن الرئيس المكلف نواف سلام وحده هو من يريد استخلاص وقت لبناني خالص لتتم في أجوائه تشكيل الحكومة؛ وهو بهذا الخصوص يرغب أو يريد الإيحاء بأن الموقف الدولي من لبنان لا يزال عند لحظة يوم ٩ يناير وعند لحظة يوم تكليفه بالتشكيل، حيث كان الانطباع حينها لدى كل القوى اللبنانية أن هناك دعماً دولياً وأميركياً قوياً لانطلاقة جديدة في بلد الأرز؛ وهو دعم ظهر حينها أنه أقوى من رغبة نتنياهو بالتخريب ومن تطلع إيران لاستمرار الصراع، الخ..
.. غير أن الوقت السياسي الخالي لا يبدو كذلك؛ ذلك أنه ما كان قائماً قبل ٢٧ يناير الفائت من انطباع عن الدعم الدولي للبنان، لم يعد هو ذاته بعد يوم ٢٧ يناير الحالي؛ كما أن روح التفاؤل التي كانت سائدة بانتظار موعد ٢٧ يناير كي يتم فيه انسحاب نتنياهو بضغط ترامبي من الجنوب، لم يعد هو ذاته السائد حالياً خاصة مع توقع أن تؤدي زيارة نتنياهو لواشنطن لحصد مزيد من تأييد ترامب له بموضوع لبنان..
جوهر الفكرة هنا أن يكون قد حصل نوع من ما يمكن تسميته “بتآكل” أصاب الانطباع العام الداخلي بأن الدعم الدولي للانطلاقة اللبنانية الجديدة أكيد وقوي وقادر؛ وظهر أنه معرض للاهتزازات والتبدد نتيجة تعقيدات الإقليم وعوامل أخرى لا تحصى.
والمشكلة هنا لا تتعلق بالضرورة بأن الموقف الأميركي تغير فعلياً، أو أن إسرائيل صارت عملياً بموقع أقوى دولياً تجاه لبنان؛ بل تكمن المشكلة بأن الانطباع داخل لبنان تغير، ولم يعد هو ذاته بخصوص ثقته بقوة الدعم الدولي والأميركي للعهد الجديد بمواجهة تغول نتنياهو؛ وهذا ما يعكس نفسه سلباً على عملية تشكيل الحكومة.