خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
يتفاعل العالم حالياً داخل سجن أربع شخصيات تحتكر حياته السياسية وتسيطر على توجيه إيقاعات الأحصنة التي تخب فوق ساحة ميدانه.
الشخصية الأولى هي دونالد ترامب، والشخصية الثانية هي فلاديمير بوتين، والشخصية الثالثة هي رجب طيب أردوغان والشخصية الرابعة هي بنيامين نتنياهو.. وللمفارقة وليس المصادفة أن هؤلاء يمثلون آخر صرخة في عالم انتهازيي الأديان السماوية الثلاث. هم متدينون بالشكل بأكثر مما هم مؤمنون بالمضمون.
يجمع بين هذه الشخصيات الأربع عنصر مشترك أساسي وهو سمة القوة (وليس البطولة) التي تأخذ أصحابها للنزعة للدكتاتورية والميل الواضح للتفرد بالسلطة وتضخم الأنا السلطوية: نتنياهو تقدمه سيرته السياسية على أنه عصارة التفرد؛ وممارسة القوة بأسلوب التشفي برؤية حلفائه وخصومه من الشخصيات الإسرائيلية وهم يتساقطون كحجارة الدينامو الواحد بعد الآخر تحت ناظريه وبفعل أنهم صاروا ضحايا مؤامراته عليهم، وكل ذلك من أجل ضمان أن يبقى هو وحده يحتل كل صورة السلطة في إسرائيل بكل تفاصيلها؛ وأردوغان الذي طعن في السن؛ لا يشبع من إطباق كفه على السلطة؛ وآخر أحلامه الآن وهو في خريف عمره هو أن يبقى رئيساً برتبة حاكم مطلق لمدى العمر؛ وأصدق وصف له هو أنه خليفة عثماني في جلباب رئيس عصري.. أما ترامب فهو مدرسة قائمة بذاتها داخل ظاهرة بسكولوجية سياسية عنوانها “أنا أو لا أحد”؛ وهو يتعامل مع الولايات المتحدة الأميركية على نحو يظهرها وكأنها وجدت من أجله؛ وهو لا يتردد في التحول لنيرون لجهة استعداده لإشعال النار بكل أميركا في حال لم يضمن أنه سيكون هو الجالس في البيت الابيض. باختصار إنه أكبر الراغبين بالتفرد بالسلطة في أقوى وأكبر ديموقراطية فوق المسكونة.
يبقى بوتين فهو الحاكم الذي لديه جيش من الذين امتهنوا دور أن يكونوا بمثابة واجهات له تؤمن له سلطة لا تغيب؛ فبوتين لديه احتمالين لا ثالث لهما يوجهان كل خيارته السياسية والوجودية: إما أن يكون رئيس روسيا بشكل مباشر أو أن يكون رئيسها من خلف واجهة رئيس يعينه بنفسه ويدوام بأجر مدفوع ودائماً بصدغه مسدس.
باختصار إنه عالم أربعة ديكتاتورين كل واحد منهم هو ستالين ولكن بمضمون يميني محافظ وبمزايا الزعماء شمولي السلوك رغم ادعائهم الانتماء لنموذج الديموقراطية؛ في حين أنهم بطريقة أو بأخرى يخفون وراء ظهورهم صناديق اقتراع مثقوبة..
ثمة عنصر آخر مشترك يجمع بين هؤلاء الأشخاص الأربعة وهو طلاء ملامحهم بالتدين المقتبس من طريقة الصليبين في فهمهم للدين؛ فهو يبرر الغزو وجذب المكاسب نحو الصدر وتكفير الآخر فقط لأنه ليس في الجيب. نتنياهو تنتهي لديه أخلاق الدين حينما يكون الآخر هو فلسطيني أو ليس معه.. وترامب تنتهي لديه قيم الليبرالية الكلاسيكية التي تحض على عدم إدارة الظهر لله، حينما يكون الطرف الآخر الذي يتعامل معه مهاجراً أو ليس أميركياً أبيضاً؛ وبوتين هو حارس كنيسة يوجد بداخلها ملايين المساجين وليس المصلين، ورجب طيب أردوغان هو مؤمن فوق حصان عثماني يشرع قتل شقيقه الأصغر حتى يرث الحكم إبنه الأكبر…
والواقع أن التشابه بين هؤلاء المتحكمين الأربعة بحيويات السياسة العالمية الراهنة، يطرح سؤالاً يحتاج لنقاش وربما حتى يحتاج لإعادة صياغة، وهو هل ما يشهده العالم من قلق وفوضى وغموض والتباس، هو قصة أربعة أشخاص لديهم ميول ستالينة ولو بمضامين جديدة مضللة؟؟.
هذا السؤال لا يزال يشوش على وضوحه صدى قوياً يتراجع داخل السمع العالمي كنواقيس الأجراس النحاسية.
.. المفارقة أن الانطباع سيكون مأساوياً إذا ثبت أن الصراع الراهن في العالم خلفيته هي مجرد إفرازات بسيكولوجية لشخصيات ذات سلوك مضطرب!!
هل يعقل!؟؟.