خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
تثير علاقة الرئيس الأميركي ترامب بالرئيس الروسي بوتين حيرة لدى بعض المراقبين رغم أن خلفياتها لحد بعيد واضحة؛ فهناك مشتركات وتقاطعات مصلحية كبيرة بين الرجلين؛ بينها انسجامهما على مستوى الرؤى الخاصة بنقد الليبرالية التي تسللت إلى كنهها الأفكار اليسارية؛ ويجد هذا الأمر تفسيره الرمزي ولكنه الواضح، حينما وصف الرئيس الفرنسي ماكرون الرئيس الروسي بأنه الإمبريالي بوتين.
أضف ان ترامب يعتبر أن بوتين ينتمي لجيل الزعماء الجدد الذين تدشن مرحلتهم ظاهرة ترامب ذاتها. فالعالم بحسب “النظرية الترامبية” إن جاز التعبير يحتاج لزعماء يغيرون التوجه الراهن في بلادهم وفي العالم؛ أي زعماء يأخذون العالم إلى مرحلة ما بعد الليبرالية التي تشوهت بفعل أنه دخل عليها خلال العقد الأخير بخاصة أفكار الليبرالية الجديدة التي تقدس الأسواق على حساب الطبقات الضعيفة ولمصلحة عولمة اقتصادية متوحشة وأيضاً أفكار الليبرالية المستيقظة – حسب تسمية فوكوياما التي تتبع سياسة الهويات لمصلحة فئات تستغل السلطة لتفرض إرادتها وشكل حياتها على المجتمع وفطرته.
السؤال الذي تحاول هذه السطور إثارته على هذا الصعيد هو التالي: إذا كان ترامب يجد أن بوتين داخل كل أوروبا يمثل الشخصية الأقرب في ملامحها إلى ظاهرته – أي ظاهرة ترامب – التي تؤمن بدور الزعيم في تغيير التوجهات العالمية وداخل بلده، فمن هي الشخصية التي يجد فيها ترامب نفس ملامح بوتين أو ملامح الزعيم المطلوب في الشرق الأوسط والذي يمكن لترامب أن يعتبره صنوه وليس فقط حليفاً أو صديقاً تقليدياً للولايات المتحدة الأميركية؟؟.
.. بكلام آخر من هو بوتين الشرق الأوسط بنظر ترامب؟؟.
هل هو بنيامين نتنياهو أم هو رجب طيب أردوغان أم هو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان؟؟.
هناك طيف من المراقبين يميل للاعتماد بأن ترامب قد ينظر إلى نتنياهو على أنه يمثل نفس ظاهرته على مستوى المنطقة وداخل إسرائيل؛ فهو لديه كاريزما الزعيم القوي والذي طرح نموذجه الخاص داخل الحركة الصهيونية وداخل اليمين القومي الصهيوني؛ ولكن طيفاً آخر وأوسع من المراقبين لا يعتبرون أن نتنياهو هو الشخصية المثل أو النموذج الذي يفضله ترامب في المنطقة؛ لأن نتنياهو لا يميل للتسويات؛ بل هو يقف اليوم داخل معادلة تقول أن التسوية بالنسبة لنتنياهو تعني موته السياسي ودخوله للسجن بينما التسوية بالنسبة لترامب تعني المخرج الذي تفضي إليه استراتيجية “السلام القوي”؛ أي ممارسة “أقصى تصعيد للحصول على أفضل تسوية”.
أما بخصوص رجب طيب أردوغان فيبدو أنه يتمتع بكثير من السمات التي تشبه ما يريده ترامب بالزعيم النموذجي وفق رؤيته. وتشترك مع ملامح موجودة في بوتين الذي يفضلها ترامب:
أولاً- أردوغان هو زعيم قوي داخل تركيا وهو مثل ترامب يخرج في كل مرة من تحت الرماد.
ثانياً- أردوغان من منظار ترامب لديه تجربة مع الانقلاب عليه تشبه تجربته داخل الولايات المتحدة للانقلاب عليه وحتى قتله.
ثالثاً- أردوغان زعيم محافظ وترامب وبوتين زعيمان محافظان.. وأردوغان يقود تركيا الأقوى في محيطها الإقليمي رغم كل التحديات وبوتين رغم كل التحديات يقود روسيا الأقوى في محيطها الأوروبي.
باختصار يظهر أن هناك العديد من القواسم المشتركة الموجودة في ملامح شخصية أردوغان الزعيم وأيضاً في شخصيتي ترامب وبوتين؛ وعليه فإن احتمال أن ينظر ترامب لأردوغان بوصفه بوتين الشرق الأوسط لجهة نوعية علاقته به ليس مستبعداً. أما بخصوص ولي العهد السعودي فهو أيضاً لديه في شخصيته كاريزما الزعامة التي تلفت إليها نظر ترامب؛ ولكن المشكلة هنا تقع في أن الأمير بن سلمان لا يمكنه بل لا يناسبه لأسباب موضوعية أن يمارس داخل إقليمه الخليجي نفس سياسات بوتين داخل إقليمه الأوروبي أو حتى الأوراسي؛ فالرياض هي ثقل سياسي واقتصادي منسجم مع إقليمه وليس لديه مطالب منه؛ كحال بوتين الذي لديه مطالب جغرافية من أوكرانيا وكحال أردوغان الذي لديه مطالب نفوذ مباشر من سورية وليبيا وأذربيجان الخ.. وأيضاً كحال ترامب الذي له مطالب من كندا ومن كل العالم.
.. غير أن الأمير محمد بن سلمان يظل من وجهة نظر ترامب شخصية تعرضت لنفس الهجمات التي تعرض له هو نفسه من الديموقراطيين الأميركيين؛ أضف أن ولي العهد السعودي محافظ ولكنه مجدد وهو أيضاً يريد تغيير الاتجاه والتوجه داخل عائلته كما أن ترامب يريد تغيير الاتجاه والتوجه داخل عائلته الحزبية؛ أي الجمهوريين.
بكل حال ثمة حاجة لانتظار بعض الوقت حتى يصبح واضحاً كيف سيتعامل ترامب مع منطقة الشرق الأوسط ومن هي التي سينتقيها من بين زعمائها ليعتبرها بأنها تستحق منه أن يعاملها داخل الإقليم كما يعامل بوتين داخل أوروبا.