خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
قال الرئيس جوزاف عون أنه سيقبل بأي شخصية تسميها الكتل النيابية لتولي رئاسة الحكومة..
والحق يقال إن هذه الجملة السياسية المقتضبة المعدودة الكلمات التي هي أول تصريح سياسي للرئيس جوزاف عون، لها دلالات إيجابية غير قليلة.
لماذا؟..
لعدة أسباب وخلفيات؛ منها أنه منذ الجمهورية الأولى شكا صائب سلام المرشح الدائم حينها لرئاسة الحكومة في مذكراته من أن النواب السنة كانوا سموه أربع مرات رئيساً للحكومة، فيما فخامة الرئيس حينها كان يتجاوز رأيهم ويعين دولة رئيس حكومة آخر تابع له.
طبعاً كان ذلك يحصل بسهولة على زمن جمهورية ال٤٣ التي تعطي صلاحيات كبيرة لفخامة رئيس الجمهورية؛ ولكن حتى على زمن جمهورية الطائف حيث صلاحيات فخامة الرئيس مقيدة؛ فإن الرئيس ميشال عون كان يتبع أسلوب “تطفيش” دولة الرئيس السني المكلف خلال نقاشاته معه لتشكيل الحكومة، وهذا ما شكا منه سعد الحريري؛ وأيضاً هذا ما أعلن عنه لاحقاً نجيب ميقاتي الذي قال أنه اعتصم بصبر أيوب حتى نجح بقطع مشوار تشكيل حكومته مع الرئيس ميشال عون.
يتبين من هذه التجربة (أي تجربة تطفيش الرئيس الأول للرئيس الثالث المكلف)؛ أن فخامة الرئيس في جمهورية الطائف يستطيع أن يمارس “صلاحية النكد السياسي” مع الرئيس السني المكلف حتى يمنعه من التشكيل وحتى “يطفشه” من المهمة؛ بمثلما بالمقابل يتبين بوضوح أن دولة رئيس الحكومة يستطيع ممارسة صلاحية تسويف الوقت وإطالة أمد بقائه مكلفاً إلى ما شاء الله، حتى يضعف عهد فخامة الرئيس ويلوي ذراعه.
.. من أولها فخامة الرئيس جوزاف عون يقول أنه يبحث عن علاقة انفتاح ولا يريد أن يستخدم صلاحية النكد مع موقع رئاسة الحكومة. وواضح أنه يحرص على أن يصل رئيس حكومة لأول عهده ليست لديه شكوى صائب سلام ولا معاناة سعد الحريري من فخامة الرئيس وصهره، ولا اضطرار دولة الرئيس الثالث أن يعتصم بصبر أيوب في علاقته مع الرئيس الأول.
وهنا يجدر لفت النظر إلى أن من تابع الحوار الخارجي خلال مرحلة البحث عن رئيس جمهورية في الأشهر الأخيرة، يستطيع بسهولة سماع ملاحظة تكررت كثيراً على لسان كل الدبلوماسيين مفادها أن المطلوب الاتفاق على صفقة كاملة: رئيسا جمهورية وحكومة يكون بينهما انسجام؛ لأن الدولة في دستور الطائف لن تكون منتجة إلا بانسجامهما.
والواقع أن هذه الأمثولة عن أهمية انسجام الرئيسين الأول والثالث، وصلت لكل العالم وليس فقط للبنانيين، بوصفها إحدى العبر المستخلصة من تجربة الرئيس الثالث مع الرئيس الأول “القوي” أو الرئيس “بيي الكل”؛ وهي للأسف تجربة فشلت في انتاج أي شيء إلا في تقديم نصيحة ثمينة تحذر من تبعات سوء علاقة الرئيس الأول مع الرئيس الثالث على فعالية الحكم والدولة.
لا شك أن هذه العبرة عن ضرورة انسجام فخامة الرئيس ودولة الرئيس الثالث وصلت أيضاً لجوزاف عون؛ وهو يعمل بهديها بناء على قناعته بها لأنه شاهد بأم عينيه كيف فشل عهد الرئيس القوي بسبب استعماله “صلاحية النكد” بينه وبين رئيس الحكومة؛ وأيضاً بناء على كثرة ما سمعه بهذا الشأن من نصائح الدبلوماسية الخارجية التي دعمت ترشيحه للرئاسة.
أضف أن معركة تسمية رئيس الحكومة ليست معركة العهد بل يمكن اعتبارها أنها أول معركة للقوى السياسية داخل مناخ العهد. كل أحزاب الطوائف معنية بقياس حجمها الجديد بعد ما حصل في البلد والمنطقة من متغيرات وبعد وصول جوزاف عون لقصر بعبدا.
السنة المُلسعون من تجربة دولة الرئيس السني مع فخامة الرئيس الماروني في عهد الرئيس ميشال عون سيراقبون كيف سيكون سلوك الرئيس الجديد مع معركة تسمية دولة رئيس الحكومة، وكيف ستكون علاقة رئيس الجمهورية الجديد مع الرئيس المكلف..
والدروز معنيون باختبار فكرة تبادل المناصب؛ والأحزاب المسيحية معنية بأخذ هذا الاستحقاق كمسطرة أو عينة لقياس اختبار نوايا الرئيس الجديد نحوها ولقياس قدرته على الحكم وإدارة الأزمات ومن هي الرؤوس التي تفكر معه وما هي توجهاتها، الخ…
أما الشيعة فيريدون وضع إصبعهم على اختبار ما إذا كان العهد يعترف أنه لا يزال لهم ذات الثقل السياسي الذي كان لهم قبل حرب الإسناد. لقد أمكن للشيعة حل هذه العقدة (عقدة استمرار الدور) خلال استحقاق انتخاب فخامة الرئيس، وذلك عندما ابتدع الرئيس بري فكرة مهلة الساعتين بين أول انتخاب وثاني انتخاب لجوزاف عون. وهي مهلة كل هدفها أن يتم خلالها تسليط الضوء على دور الشيعة الوازن في انتخابه أو بكلام أدق تسليط الضوء على أنه لا يزال للشيعة دور وازن في انتخاب فخامة الرئيس وإنشاء العهود.
والواقع أن هذه المناورة – إن صحت التسمية – لم تكن رسالة موجهة للرئيس جوزاف عون بقدر ما كانت موجهة للقوى الدولية التي جاءت لتشاهد من شرفة قاعة البرلمان جلسة انتخاب المرشح الذي دعمته..
يريد الشيعة بمناسبة انتخاب فخامة الرئيس الجديد وتسمية رئيس الحكومة العتيد قول أمر أساسي واحد: لا يجب ممارسة السياسة المقبلة في لبنان على أساس أنها إحدى التعبيرات التي تجسد معادلة أن الشيعة أصيبوا بهزيمة إقليمية وداخلية.
مر بهذه التجربة المورانة بعد اتفاق الطائف، وعكس ذلك البطريرك صفير حيث أنه حينما التقى حينها مع مفتي الجمهورية السني، قال له صفير: لا يجب تحميل كل أخطاء جمهورية ٤٣ التي دفناها في الطائف لطائفة واحدة، وأيضاً يجب ذكر حسناتها وليس فقط سيئاتها.
نبيه بري الذي صار ولي فقيه الشيعة داخل لبنان بعد غياب السيد حسن نصر الله؛ يكرر الآن تلميحاً نفس معنى كلام البطريرك صفير: لا يجب تحميل كل أخطاء المرحلة الماضية لطائفة واحدة؛ أي للشيعة!!.
ولكن هناك نقطة هامة في هذا المجال وهي أن الرئيس جوزاف عون – أغلب الظن – يدرك بعمق أن معركة الأحجام والأدوار التي تخوضها الآن الأحزاب والتي كانت خاضتها خلال انتخابه ليست معركة عهده.. والرئيس جوزاف عون وضع عناوين لعهده في بيان القسم؛ وهي عبارة عن أهداف وليست أحلاف. ولكن مشكلة الشيعة وقد تكون مشكلة الرئيس عون تقع في أن البعض يريد تصوير عناوين خطاب القسم على أنها خطة طريق نحو إنجاز الحلف ضد حزب الله وليس خطة طريق نحو إنجاز أهداف العهد.