خاص الهديل….
لعل هناك من يتقصدون بأن يضعوا العصي في العجلات، وأن يبدأوا باتهام المصارف بأنها هي المسؤولة عن ما جرى في أزمة أموال المودعين، وآخرها بأن الدولة اللبنانية، ممثلة بشخص رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل أمام المحكمة المالية هيلانة إسكندر، قد تقدّمت أمام المحكمة المالية بدعوى ضد أعضاء المجلس المركزي لمصرف لبنان السابقين والحاليين!!
ومن هذا المنطلق، دعونا نتساؤل أولاً.. أليس من الغريب أن نلاحظ أن هذه الدعوة ضد المصارف جاءت مباشرةً بعد اجتماع جمعية المصارف، الذي ترأسه الدكتور سليم صفير، حيث تم تعديل النظام الداخلي للجمعية لمرة واحدة فقط، ما سمح بإعادة انتخاب الرئيس الحالي لولاية ثالثة، فضلاً عن إضافة عضوين إلى مجلس الإدارة الذي كان مؤلفاً من 12 عضواً ليصبح العدد 14. فهل هذا التعديل هو السبب الرئيسي لما نعيشه من هجوم يشنه البعض ولصالح البعض؟ ولماذا التهجم وتحميل المصارف مسؤولية التدهور المالي الذي عاشته البلاد؛ أليست الدولة من كانت سبباً في انهيار الوضع الاقتصادي في البلاد جراء من يتحكمون فيها من فاسدين؟؟
وضمن هذا الإطار.. فمن المؤكد أن هناك الكثير من العوامل التي ساهمت في الوضع الراهن، ولكن تحميل المصارف وحدها المسؤولية عن ما جرى يعد نوعاً من التغطية على الأسباب الرئيسية. فإلى جانب التعاميم التي أصدرها مصرف لبنان، والتي كانت تهدف إلى حماية النظام المصرفي من الانهيار التام، هناك العديد من العوامل الأخرى التي يجب أخذها بعين الاعتبار. على سبيل المثال، غياب التشريعات الفعالة مثل “الكابيتال كونترول” وعدم إقرار قوانين إعادة هيكلة المصارف أو حل أزمة أموال المودعين كان له تأثير كبير في تعميق الأزمة.
وبالنظر إلى هذه الحقائق، نجد أنه من الأجدر بأن يتم التركيز على المسؤولين السياسيين الذين يتحملون الجزء الأكبر من التدهور المالي. فالدولة، التي كانت تستدين وتنفذ سياسات مالية غير مدروسة، يجب أن تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عن ضياع الأموال، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتأمين الأموال للمصارف التي كانت معرضة لخطر الإفلاس؛ وعليه فإن عدم محاسبة الهدر الكبير في الوزارات والإدارات العامة، وكذلك عدم استعادة الأموال التي استدانت منها الدولة، هو ما أدى إلى تفاقم الأزمة.
في الختام، بينما يحاول البعض إلقاء اللوم على المصارف في أزمة المودعين، يجب أن نتساءل: هل هم فعلاً من تسببوا في ذلك، أم أن هناك قوى أخرى هي من كانت وراء هذه الكارثة المالية؟ فالعهد الجديد، وإن جاء بوعد بالتغيير، إلا أنه ولد ليكون كابوساً على صدور من تلاعبوا بمقدرات البلاد وشعبها.