أهمية مشروع القانون التوافقي لتعديل الانتخابات البلدية في بيروت: قراءة معمقة
المهندس أحمد مختار خالد*
يشكل اقتراح القانون التوافقي لتعديل الانتخابات البلدية في بيروت محطة فارقة في مسار تعزيز الاستقرار الإداري والاجتماعي للعاصمة اللبنانية. فالهدف ليس مجرد إعادة ترتيب آلية الاقتراع، بل ترسيخ مبدأ وحدة المدينة ووحدة اللبنانيين، عبر ضمان تمثيل عادل وتوازن دائم بين مكوّنات المجتمع. في هذا الإطار، يمكن تناول أهمية المشروع من خلال أربعة محاور رئيسية: السياق السياسي والاجتماعي، الأسس الدستورية والقانونية، الآليات الانتخابية الجديدة، والتأثيرات المتوقعة على واقع الحكم المحلي والخارجي.
1. السياق السياسي والاجتماعي
1. التهديدات المحلية للطابع الموحد لبيروت
منذ سنوات، تبرز بين حين وآخر مقترحات لتقسيم العاصمة على أساس مناطقي أو عقاري، بحجة تحسين الخدمات أو إعادة التوازن السكاني. إلا أن هذه الطروحات يُخشى منها تفتيت النسيج الاجتماعي وتضييق نطاق العيش المشترك بين طوائف وأحياء المدينة.
تكرار المطالب بتقسيم الدوائر الانتخابية إلى دوائر صغرى أو اعتماد نظام المناطق العقارية يعكس محاولات بعض الجهات للاستئثار بتمثيل انتخابي على حساب الآخر، مما يهدد بتقويض مكانة بيروت كعاصمة جامعة.
2. أهمية بيروت كرمز للعيش المشترك
لطالما مثّلت بيروت نموذجاً لتعايش المسلمين والمسيحيين، وملتقى للثقافات والأديان في الشرق الأوسط.
إن وحدة العاصمة لا تعني فقط جغرافياً بل اجتماعياً وثقافياً؛ إذ إن فصل أحياء أو تقزيم دور بعضها يقود إلى انكفاء المجتمعات المحلية على نفسها، ويفقد المدينة دورها التاريخي كنقطة التقاء.
2. الأسس الدستورية والقانونية
1. ميثاق العيش المشترك ودستور الطائف
نص الدستور اللبناني (المقدمة) صراحةً على إلغاء الطائفية السياسية كهدف وطني، وعلى أن أرض لبنان أرض واحدة لكل اللبنانيين، وأن لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.
من هذا المنطلق، فإن أي تنظيم انتخابي في بيروت يجب أن يراعي هذه المبادئ، فلا يقود إلى تجزئة أو تهميش طائفة أو أكثر.
2. السوابق التشريعية الخاصة ببيروت
منذ قانون البلديات الأول (1954) وقانون البلديات المعدل (1977)، كانت تشريعات متعددة تكرّس دائرة انتخابية واحدة لبيروت، أو تضمّ أنصافاً من التعيين لضمان تمثيل طوائف متنوعة.
إلغاء التعيين في آخر تعديل (1997) يؤكد رغبة المشرع في منح أهل المدينة حق اختيار ممثليهم، ما يجعل أي تعديل جديد يجب أن يبقى في إطار التمثيل الانتخابي المباشر.
3. الآليات الانتخابية المقترحة
1. تكريس الدائرة الانتخابية الواحدة
إلغاء كل الطروحات المتعلقة بتقسيم العاصمة إلى دوائر صغيرة، وإبقاء بيروت دائرة انتخابية واحدة تضم 24 مقعداً.
هذا يضمن أن الأصوات تتجمع على مستوى المدينة كاملة، ما يخفف من تأثير التكتلات المحلية الصغيرة أو الضغط العقاري.
2. قاعدة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين
توزع المقاعد بالتساوي (12 مسلماً و12 مسيحياً) وفق نسب تمثيل ثابتة تعتمد التقاليد المعمول بها، ما يحمي التوازن الطائفي.
منع اللوائح غير المتوازنة، واعتبار أي لائحة ناقصة أو متحيزة طائفياً غير شرعية.
3. اعتماد اللائحة المقفلة
تفرض على كل لائحة أن تضم 24 اسماً، مع تسمية مرشحي منصبي الرئيس ونائب الرئيس ضمنها.
هذا النظام يقلل من فرص تشكيل لوائح قائمة على الولاءات الضيقة أو المحاصصة الحزبية فقط، ويعزز منطق العمل الجماعي.
4. منع التلاعب بالقوائم
إلغاء أي لائحة تتعرض للتشطيب أو تبديل المرشحين بعد اعتمادها، ما يحفظ إرادة الناخبين ويجعل العملية الانتخابية أكثر شفافية واستقراراً.
5. تعديل صلاحيات المحافظ
منح المجلس البلدي مهلة شهر لتنفيذ قراراته، بعدها ينتقل الإشراف إلى وزير الداخلية والبلديات، بدلاً من المحافظ وحده.
هذا التعديل يحقق توازناً بين السلطة التنفيذية المحلية والرقابة المركزية، ويضمن سرعة تنفيذ القرارات التي تخدم المصلحة العامة.
4. التأثيرات المتوقعة
1. تعزيز الشرعية الشعبية
بإعادة التأكيد على التمثيل المباشر والتوازن الطائفي، يزداد انخراط المواطنين في العملية الانتخابية، وتعود الثقة بالمجلس البلدي كجهة منتخبة تحكم بإرادة مشتركة.
2. صون العيش المشترك
يرسل المشروع رسالة واضحة بأن بيروت مدينة لكل اللبنانيين، وأن أي محاولة لتفتيتها أو طغيان طائفة على أخرى لن تجد طريقها عبر القانون.
3. رفع كفاءة الإدارة المحلية
بفضل مهلة التنفيذ المحددة وتفعيل دور وزير الداخلية عند التعطيل، تقل حالات التعطيل الإداري وتُنجز المشاريع والخدمات بشكل أسرع.
4. رسالة وطنية ودولية
يبرز المشروع قدرة الطبقة السياسية اللبنانية على التوافق لحماية العاصمة، ما يعكس نضجاً سياسياً داخلياً ويعزز صورة لبنان دولياً كدولة قادرة على إدارة تنوعها.
ختاماً، ليس مشروع قانون بلدية بيروت مجرد نص تشريعي جديد، بل هو وثيقة تأسيسية تعيد تأكيد مكانة العاصمة بوصفها عاصمة وحدة اللبنانيين، وتحمي توازناتها التاريخية والاجتماعية. إنه التزام وطني بقيم الميثاق والدستور، وخطوة ضرورية لتحصين بيروت في وجه تحديات الداخل والخارج. من خلال هذا القانون، يتجدد عهد اللبنانيين بوحدة العاصمة، وبأن إرادة التعايش والتنوع هي أقوى من أي انقسام.
*المرشح التوافقي لرئاسة بلدية بيروت
بيروت، ١٣ نيسان ٢٠٢٥