خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
لا يوجد فكرة واضحة لا في لبنان ولا في سورية حول الحل الأمثل لوقف الاشتباكات الدائرة على الحدود اللبنانية السورية. وآخر سيناريو متداول لوقف النار نشرته الصحف يقول أن وزير خارجية لبنان طلب من نظيره السوري مساعدته على إيجاد تواصل بين وزيري الدفاع السوري واللبناني ليناقشا وقفاً للنار؛ وأن الأخيرين طلبا من مخابرات بلديهما تنسيق مهمة وقف النار على الأرض.
من حيث الشكل ما قام به وزير الخارجية مفهوم؛ وأيضاً تدخل الجيش اللبناني ومخابراته لوقف النار ليس فقط مفهوماً بل أيضاً مطلوباً.. ولكن التواصل على مستوى وزيري الخارجية وعلى هامش مؤتمر يعقد في بروكسل لن يحل لا مشكلة الحدود اللبنانية السورية ولا مشكلة التهريب ولا حتى مشكلة الصدامات بين العشائر اللبنانية والفصائل السورية.
لماذا؟؟
.. لأن ما يحدث على الحدود الشمالية الشرقية ليس أمراً جديداً؛ فدائماً كان هناك بين لبنان وسورية أزمة حدود؛ والسبب المباشر والظاهر هو التهريب ومهربي البضائع والمخدرات والسياسة من الجانبين. أما السبب الجوهري وغير المباشر تكمن في أن هذه الحدود تم رسمها من قبل المنتدبين الدوليين آنذاك على لبنان وسورية على نحو يؤدي لإنتاج مشاكل ومناخ من التوتر الدائم؛ ولذلك يطلق على الحدود بين لبنان وسورية مصطلح “حدود أخطاء سايكس بيكو”؛ وهذا المصطلح يريد لفت النظر إلى أن حدود لبنان مع سورية تم تقصد أن لا تكون منطقية حيث زرعت بالألغام الديموغرافية؛ وتنتشر على هذه الحدود قرى كثيرة تقع داخل الأراضي السورية بينما سكانها هم لبنانيون ويحملون الهوية اللبنانية ويطبق عليهم القانون اللبناني؛ وأيضاً يوجد داخل الأراضي اللبنانية قرى مقطونة من مواطنين سوريين ويطبق عليهم القانون السوري. وهناك قرى نصفها موجود في الأراضي اللبنانية ونصفها الآخر في الأراضي السورية .. باختصار فإن “حدود أخطاء سايكس بيكو اللبنانية السورية” صممت لتنتج مشاكل يومية وحتى يفيد منها المهربون الذين ليس فقط لديهم سلع للتدريب من وراء ظهر الجمارك بل أيضاً أجندات سياسية من وراء ظهر السياسات الرسمية المعتمدة في الدولتين..
.. وعليه يجب الإقرار بأن الأزمة تاريخية وكانت موجودة في كل عهد؛ أضف أنها أزمة تتسم بأنها تبقى على حالها، ولكن يتغير أسماء المتورطين فيها.. وتتغير نوعية سلع التهريب، ولكن التهريب يبقى هو ذاته؛ وتتغير هوية الذين يتبادلون إطلاق النار عبر طرفي الحدود، ولكن إطلاق النار يستمر بنسب مختلفة.
وزير الخارجية السوري اعتبر في حديثه في بروكسل مع نظيره اللبناني أن ما يحدث سببه حزب الله؛ ونفى الأخير ذلك. ومرة أخرى يجب لفت وزيري خارجية لبنان وسورية إلى أن كليهما يفترض أن يبدأ حديثهما بخصوص أحداث الحدود ليس من نقطة البحث فيما يجري الآن ومن هو المسؤول لأنه بخصوص كأزمة كقضية الحدود اللبنانية السورية النقاش يجب أن يكون استراتيجياً وليس تقنياً وذات بعد حدثي ويجب أن يكون تاريخياً وليس لحظوياً..
والواقع أن هناك بلاهة في طرح السؤال بصيغة: من المسؤال؟؟. فهذه قضية قديمة – جديدة؛ والمسؤولية عن الأحداث فيها سواء اليوم أو بالامس أو غداً، هي بالترتيب كالتالي:
المسؤول الأول هو ما يسمى بأخطاء سايكس بيكو؛ وهذه أخطاء لا يمكن حلها إلا من خلال تصحيح خط الحدود بالتراضي بين البلدين؛ وليس بالاستمرار بقبول أن الدولتين الوطنيتين لا يزال يفصل بينهما حدود أخطاء سايكس بيكو.
المسؤول الثاني هو نمط قائم مزمن تتعاطى به الدولة اللبنانية ومفاده أنها تتشدد في مكافحة التهريب بعد حصوله ولا تتشدد مع منع التهريب قبل حصوله؛ والأمر نفسه يحدث على الجانب السوري!!
المسؤول الثالث هو خلفية العلاقة التي توجه نظرة لبنان لسورية ونظرة سورية للبنان. وهذه علاقة يشوبها “أخوة وخوة” كما وصفت منذ فترة طويلة..
طبعاً لا لبنان يريد حرب حدود مع سورية ولا سورية تريد غزو على طريقة صدام حسين لجاره الصغير لبنان؛ وكل المطلوب هو ترسيم الحدود على نحو يلغي ألغام سايكس بيكو لتصبح الحدود واضحة ومقرؤة ديموغرافياً؛ وينهي فترة “الأخوة والخوة” التي تهيمن على مناخ العلاقة اللبنانية السورية والتي تارة يمارسها السوري على لبنان ولفترة مارسها لبنانيون على سورية؛ وأيضاً يضع رؤية أمنية واقتصادية لمعضلة المهربين التي تسرق من خزينة الدولتين والتي – وهذا الأخطر – يستخدمها مهربون سياسيون لتهريب أجنداتهم السياسية الإقليمية عبر الحدود.