خاص الهديل. ..
قهرمان مصطفى
تبدو الضربات الأمريكية الأخيرة على الحوثيين في اليمن جزءاً من رسائل سياسية استراتيجية موجهة إلى إيران، إذ تكشف هذه الضربات عن تحول في طريقة التعامل مع هذه الجماعة، مما يضعها في إطار اللعبة الإقليمية والدولية الحالية، وعليه فهذه الضربات تأتي في سياق تحولات كبرى أثرت على مختلف الأطراف الإقليمية والدولية منذ اندلاع الحرب في غزة، والتي كانت محورية في تغيير موازين القوى في المنطقة؛ لأن عملية 7 أكتوبر، وما أعقبها من تداعيات، لم تعد مجرد حدث عابر بل شكلت نقطة تحول عميقة ساهمت في إعادة تشكيل الواقع الإقليمي والدولي، خاصةً فيما يتعلق بالجماعات والتنظيمات التي طالما كانت جزءاً من هذا الواقع.
الحرب في غزة لم تقتصر تأثيراتها على الفلسطينيين والإسرائيليين فقط، بل امتدت لتطال دولاً أخرى مثل لبنان وسوريا واليمن، وكذلك إيران والدول المجاورة كدول الخليج ومصر والأردن؛ فتداعياتها أظهرت تحولاً في العلاقات الإقليمية، وأجبرت القوى المختلفة على إعادة ترتيب تحالفاتها ومواقفها.
بالنسبة لحزب الله، الذي كان يطمح لدعم جبهة غزة، وجد نفسه في مواجهة مع تحديات غير مسبوقة على الأرض، حيث تعرض لعمليات عسكرية نوعية واستهداف لقياداته في لبنان، فضلاً عن عمليات تفجيرات واختراقات استخباراتية مؤلمة كتفجيرات البيجر التي سبقت اغتيال الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله.
الضربات التي استهدفت قادة حماس، مثل اغتيال إسماعيل هنية في طهران، كانت بمثابة رسائل ضمن صراع أوسع يعكس تغيراً في موازين القوى في المنطقة، خاصةً فيما يتعلق بالتحكم الإيراني في بعض الدول عبر جماعات تم بناؤها على مدار سنوات؛ لكن، يبقى الحوثيون جزءاً من هذا المعادلة، حيث أظهروا دعمهم لغزة عبر إطلاق صواريخ على تل أبيب، لكن تأثير هذه الهجمات كان محدوداً، إذ تم اعتراض معظم الصواريخ أو فقدت تأثيرها قبل الوصول إلى أهدافها. ومع ذلك، كانت هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر بمثابة ضربة مؤثرة في حركة الملاحة البحرية، مما انعكس سلباً على قناة السويس وخلف خسائر ضخمة قدرت بحوالى 800 مليون دولار شهرياً.
وبالعودة للضربات الأمريكية ضد الحوثيين، والتي يصعب التنبؤ بنتائجها المباشرة، تبدو جزءاً من حملة واسعة تهدف إلى الضغط على إيران وجماعاتها؛ فالهجمات على الحوثيين تأتي في سياق توتر العلاقات مع إيران وتزامنت مع تصريحات الرئيس الأمريكي التي طالب فيها إيران بالتسريع في إبرام اتفاق نووي ووقف دعم الحوثيين. وقد جاء هذا التصعيد العسكري بعد الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى إرسال تعزيزات عسكرية إضافية إلى المنطقة، بما في ذلك حاملة طائرات جديدة.
ومن هذا المنطلق نجد أن رد فعل إيران على هذه الضغوط الأمريكية كان متوقعاً، حيث أكد المرشد الإيراني الأعلى، آية الله خامنئي، أن الولايات المتحدة لن تحقق أي نتائج من خلال التهديدات. وفي الوقت نفسه، أشار إلى أن إيران لا تحتاج إلى وكلاء في المنطقة، وأن الحوثيين يعملون بشكل مستقل.
كل هذه التصريحات تكررت في مناسبات سابقة وتطرح تساؤلات حول دور الحوثيين في مفاوضات البرنامج النووي الإيراني. وفي هذا السياق، تشير بعض التسريبات إلى مشاورات أمريكية إسرائيلية بشأن التعامل مع إيران، مما يعكس احتمالية أن تكون ورقة الحوثيين جزءاً من المفاوضات المستقبلية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
من خلال هذه التحولات، نجد أن الضربات الأمريكية على الحوثيين ليست مجرد عملية عسكرية محضة، بل هي جزء من استراتيجيات إقليمية ودولية معقدة، حيث تلعب جماعة الحوثي دوراً مهماً في هذه المعادلة. هذه الحرب قد تكون مجرد خطوة من خطوات أوسع تهدف إلى إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة، مع إحياء الملف النووي الإيراني كأداة ضغط سياسية في وقت حساس بعد تداعيات 7 أكتوبر.