خاص الهديل….
غنوه دريان ..
في إطار اجتماعي كوميدي، قدَّم لنا مسلسل “كامل العدد”، على مدار ثلاثة أجزاء عُرض آخر جزء منها في النصف الأول من شهر رمضان الماضي ، قصة امرأة مُطَلّقة لديها أربعة أطفال من زيجَتين سابقتَين، ورجل أرمل لديه ثلاثة أطفال، يتزوجان ويتشاركان في تربية الأطفال السبعة، ثم ينجبان الطفل الثامن ليكون الأخ الوحيد المشترك بين الفريقين.أستقبل نموذج الأمّ الذي قدّمته دينا الشربيني، في “كامل العدد”، بانبهار شديد ودهشة حقيقية. تمنيت لو أكون أنا الأمّ التي جسّدتها الشربيني، وأعيش تفاصيل تلك العائلة الكبيرة الممتعة. على عكس ادوار الام التي كانت تقدمها سميرة احمد
ي مسلسل “كامل العدد”، وهو من تأليف اثنتين من “الأمّهات”، رنا أبو الريش ويسر طاهر، نرى ليلى، بطلة العمل، تمتلك جيشاً داعماً، من الأسرة والأصدقاء المقربين؛ أخت هي أمّ بديلة، وجيل الخبرات الممثل في خمسة أجداد من خلفيات وثقافات مختلفة، يرون كل الأحفاد أحفادهم، حتى غير البيولوجيين منهم، ويشاركون في حلّ الأزمات دون أي إجبار للأمّ، حيث يحترمون قراراتها، وإن تعارضت مع أفكارهم، ويوزعون “الحنّية” على الجميع، وزوج شريك أصيل -وإن كان يلعب الدور الثاني بحكم انشغاله في العمل- “يُغيّر” للرضيع ويُطعمه، ويحكي قصصاً للصغار قبل النوم، ويحضر تمارين، ويحتوي مشكلات الكبار، ويعمل ليل نهار ليوفر لهم حياةً ماديةً مستقرةً، ويقتطع من أوقات العمل مساحات للتجمعات والمناسبات العائلية، ويغازل زوجته، ويمدحها، ويكافئها بين الحين والآخر، ويشجعها عندما تُخطئ تُحبط، ويوفر لها مُرَبّيةً، ويطوّر من حياتهم استأجر بيتاً في الجزء الأول، ثم اشتراه في الثاني، وفي الجزء الثالث استبدله بآخر أكبر مراعاةً لتغيّر مراحل الأولاد العمرية.
يختلف الزوجان، يغاران، يتشاجران، يتخاصمان، يتواجهان، يتناقشان، ويزوران استشاريّ علاقات أسرية؛ يلين أحدهما فيرضخ الثاني، أو تنفجر مشكلة جديدة لأحد الأبناء فيتّحدان لحلّها دون الالتفات إلى الخلاف.
على الجانب الآخر، نجد سميرة أحمد، في مسلسل “امرأة من زمن الحب” (1998)، والذي يعرض حاليا عبر شاشة النيل للدراما
لمؤلفه الراحل أسامة أنور عكاشة، تحارب الأشرار وحدها على جميع الأصعدة. يغيب الأب في مهمة خارج البلاد، ويأتمن أخته (بطلة العمل)، على أولاده الأربعة. تأتي الأخيرة من الصعيد دون سابق معرفة أو رابط حقيقي بالأولاد، لتعيد ترتيب الأوضاع وتربيتهم حسب معتقداتها الشخصية دون اعتبار لتغيرات الزمان والمكان. يرسم السيناريو بسذاجة، الأبّ متخاذلاً والخال والخالة منحرفَين، ولا أحد على الإطلاق يساعد العمّة في مهمتها. وبرغم ذلك يجعلها تنتصر ويحبّها الجميع في النهاية!
تبكي الشربيني، في سلسلة “كامل العدد”. تخطئ وتصيب. تخاف الفقد. تغار على أبنائها، وتعبّر عن احتياجاتها، وتبحث عن الحب دون خجل، وتطلب المساعدة أحياناً وتفرضها أحياناً أخرى. تعي حقوقها كإنسانة كما تعي واجباتها كأمّ.تقاوم وتضحك وتوزّع الأحضان والقبلات على أفراد الأسرة كل لحظة بلا كلل
أما نموذج الأمّ الذي جسّده مشوار سميرة أحمد، فركّز على مغازلة ذاك القانون العُرفي المُعجِّز للأمّهات، فهي دائماً مثال الحكمة الخالصة، وصواب الرأي على الدوام، والانغماس في مشكلات الأولاد حدّ نسيان نفسها، والتضحيات اللانهائية كأنّها شخص بلا رغبات واحتياجات. هي دوماً أمّ عزبة غيّب الموت زوجها، فالأمّ المثالية لا تُترك أو تُطلّق. هذه وصمة مجتمعية في حدّ ذاتها. وبالتأكيد ترفض الحب والارتباط بأيّ شخص جديد، لأنّ هذا ينتقص من قائمة تضحياتها ومثاليتها الزائفة.
لسنا بحاجة كأمّهات إلى الانتصار الدائم. هذا محض جنون وتنفيذه مستحيل. لسنا بحاجة إلى حمل الهموم على الدوام لتُصكّ عُملة أمومتنا.
فلنتقبل الهزائم والانهيارات، وبنفس راضية نعتذر عنها لأنفسنا ولأولادنا، ونقدّر لحظات الضعف والاحتياج إلى الدعم والحب.
فلنضحك ونسخر ونَلْهُ مع أطفالنا، ونستمتع برحلة الأمومة القصيرة، وإن طالت. فلنسامح أنفسنا على لحظات الفشل لأنها لا تعني بالضرورة أننا فشلنا، بل تثبت إصرارنا على المحاولة.