خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
أمكن أمس فتح الباب على أفق لا يمكن في هذه اللحظة توقع ما إذا كان يخفي فرصاً سعيدة أو مفاجآت قاتمة.. لا الرئيس ترامب يستطيع أن يضمن في هذه اللحظة المبكرة من بدء المفاوضات أنه سيتم تحقق الفرص السعيدة مع إيران؛ ولا السيد خامنئي يضمن أن قبوله بالتفاوض مع واشنطن سيؤدي حتماً إلى تحاشي المفاجآت الأميركية القاتمة؛ منها عودة العقوبات أو حتى الحرب..
هناك من يعتقد أن توافق ترامب وخامنئي على توقيت بدء التفاوض في هذه اللحظة لا يعكس تقارباً بينهما؛ بقدر ما تعكس نشوب حرب مضمرة بين طريقتين بالتفكير الاستراتيجي يهدف كل منهما من خلالها الى جعل الآخر يفاوضه في توقيت غير مريح له:
طريقة تفكير ترامب الذي ضغط لاستعجال بدء التفاوض مع إيران؛ تتمثل بأنه يسعى لأن يحقق صورة إنجاز مع إيران؛ تخفف من واقع أن بدء حربه التجارية خلّفت ردود فعل ليست مرضية له..
فيما طريقة تفكير إيران ترى أن هذه اللحظة التي يخوض فيها ترامب حرباً تجارية مع الصين تحديداً ومع كل العالم؛ هي الفرصة المناسبة للقبول ببدء التفاوض معه؛ لأن طهران ترى أن التفاوض على ملف معقد كالملف النووي الإيراني هي أيضاً حرب ولكن بالسلاح الدبلوماسي؛ تماماً كما أن رفع التعريفات الجمركية هي أيضاً حرب ولكن بالسلاح التجاري؛ وعليه فإن ترامب دفع نفسه لأن يخوض حربين في وقت واحد؛ وهذا خيار تعوزه الحكمة الاستراتيجية لأنه حتى الامبراطورية الرومانية لم تكن تستطيع خوض حربين في نفس الوقت؛ وعليه فإن الامبراطورية الأميركية لن تكون في موقع قوي داخل ميدان حرب التفاوض مع إيران كونها في الوقت نفسه تخوض حرباً تجارية مع الصين والعالم.
الفجوة غير المرئية تتمثل بأنهم في إيران ينظرون إلى المفاوضات بوصفها حرباً دبلوماسية، فيما ترامب ينظر اليها على أنها أم صفقاته وحروبه الدبلوماسية بمثلما أن حرب الرسوم الجمركية هي أم صفقاته وحروبه التجارية.
وقد يكون ترامب – أقله كما تظن إيران – أخطأ في فتح أم حربه الدبلوماسية وأم حربه التجارية في وقت واحد؛ فالحروب حينما تندلع تطغى على معنى الصفقات وتصبح صراع إرادت بحاجة لزج مقتدرات قومية فيها.. وعليه فإن ترامب سيكتشف أنه في حربين وليس في صفقتين؛ ما سيجعله مضطراً لأن يدخل معادلة تحتم عليه إبداء التنازل في حربه الدبلوماسية ليضمن هامش مناورة أفضل له في حربه التجارية الأخطر مع الصين التي قررت التصعيد وليس المهادنة.
.. أقله يمكن التوقع أن لا يكون بمقدور ترامب أن يحتوي ويطوع بنفس الوقت إرادتي الصين وإيران؛ وإذا كان هنري كيسنجر محقاً حينما أوصى البيت الأبيض بأن لا تواجه واشنطن موسكو قبل أن تضمن تحييد الصين، والعكس صحيح؛ فإن الصحيح أيضاً وفق مبدأ كيسنجر أنه كان على ترامب أن لا يفتح حرباً تجارية مع بكين في نفس الوقت الذي يفتح فيها حرب تفاوض دبلوماسية مع إيران؛ وعليه فإن ترامب سيكون مضطراً لأن يغير استراتيجية التفاوض مع إيران ويجعلها تتوسل تحييدها ليستفرد بالصين؛ وليس الضغط عليها ما يجعل إيران تذهب للتصعيد، وبذلك يصبح البيت الأبيض بمواجهة حربين إثنتين بنفس الوقت: واحدة دبلوماسية مع إيران وثانية تجارية مع الصين..
الواقع أنه توجد أطراف أخرى داخل قاعة التفاوض الأميركي الإيراني غير ممثلي طهران وواشنطن: هناك خط مفتوح أو قابل لأن يصبح مفتوحاً حسب تطورات التفاوض بين طهران وبكين؛ وأيضاً ليس مستبعداً أن تنشيء إيران معادلة تبادل خدمات تفاوضية بين قاعتي التفاوض الأميركي الروسي حول أوكرانيا والتفاوض الأميركي الإيراني حول النووي الإيراني. أيضاً على مقاعد واشنطن يوجد متسع لأردوغان ولنتنياهو وآخرين..
من الصعوبة أن ينجح الأميركي بإبعاد الصيني عن التدخل في مفاوضات النووي الإيراني؛ ومن الصعوبة بمكان أن ينجح الإيراني بمنع تدخل الإسرائيلي والتركي بمفاوضاته مع الأميركي. إنها مفاوضات ينجح فيها من يمكنه أكثر استقطاب رياح المصالح الدولية الهائجة في هذه اللحظة. ولعل قضية النووي الإيراني هي أسهل بند على جدول المفاوضات؛ كون هناك نقاط أصعب وأسئلة معقدة تواجه المتفاوضين الإيراني والأميركي؛ ومن بين هذه الأسئلة: من يضمن في الولايات المتحدة الأميركية أن الاتفاق الذي ستتوصل إليه إيران مع إدارة ترامب لن تقوم إدارة أخرى لاحقا بنقضه ورميه بسلة المهملات؟؟.
هل المفاوض الاميركي الحالي يفاوض إيران على التوافق على المستقبل أم أنه يفاوضها على التوافق مع لحظة ترامب الراهنة في اميركا والعالم؛ وهي لحظة لا يوجد لا ثقة دولية ولا ضمانة اميركية بأنها لن تكون لحظة عابرة وغير مستقرة ولا تحمل جينات الاستدامة..
وعليه يمكن الاستنتاج بأن المفاوص الإيراني يفاوض في هذه اللحظة ترامب حصراً أو ظاهرته تحديداً؛ ولا يفاوض الولايات المتحدة الأميركية؛ وهذا الواقع يجعل الإيراني يفاوض بهدف احتواء الوقت الترامبي في الولايات المتحدة الأميركية؛ وتمريره على خير، وبأقل أضرار يمكن أن تلحقها أميركا ترامب بالجمهورية الإسلامية في إيران.
وكل هذا الواقع يقود إلى استنتاج مفاده أن إيران لا تعتقد في سريرتها الاستراتيجية أنها في لحظة رسم مستقبل علاقتها الاستراتيجية بأميركا؛ وعليه فهي لن تستطيع تقديم تنازلات استراتيجية لنيل مكاسب استراتيجية من الولايات المتحدة الأميركية التي لا تحضر دولتها العميقة في هذه المفاوضات؛ بل الموجود على طاولة التفاوض هو ترامب أو اللحظة الراهنة الأميركية غير الموثوق بأنها تمثل الغد الأميركي أو الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأميركية.