خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
لا يمكن لزيارة واحدة أو إثنتين أو مئة أن تؤدي إلى تصحيح العلاقات بين لبنان وسورية أو وضعها على السكة الصحيحة، الخ..
هذا الكلام لا يقلل من أهمية زيارة رئيس الحكومة نواف سلام إلى دمشق؛ ولا يقلل من أهمية الاجتماع الذي جرى مؤخراً في جدة برعاية سعودية بين وزيري دفاع لبنان وسورية؛ لكن المقصود هنا الإشارة إلى أن علاقة الجارين الشقيقين دائماً كانت استثنائية وفيها من المشاكل التي لا تحل بقدر ما فيها من التقارب الذي لا ينفك.
.. وحينما يتحدث العارفون عن أسباب هذه المشاكل أو عن أسباب هذا التقارب تكون الإجابة واحدة وجازمة: في الحالتين الأسباب تاريخية.
.. مثلاً حينما يتحدث العارفون والعاديون في لبنان عن أسباب حتمية العلاقة بين لبنان وسورية يقولون عن ظهر قلب: الأسباب تاريخية؛ وحينما يتحدثون عن مهمة ضبط الحدود المستحيلة يقولون تكمن المشكلة في أسباب تاريخية؛ منها تداخل الحدود بين البلدين وأخطاء سايكس بيكو المقصودة، الخ..
وحينما يتفاخرون بأن الشعبين اللبناني والسوري شقيقان، يقولون أن العلاقة تاريخية…
باختصار: كل القصة وكل القضية تاريخية؛ وما أصلحه أو أفسده التاريخ لا تقدم أو تأخر بخصوصه زيارة ولا ألف زيارة!!
وعليه فإن الحل هو بحسن إدارة التعايش مع المشاكل التاريخية القائمة بين لبنان وسورية وبحسن الاستثمار في المزايا الإيجابية التاريخية القائمة بين لبنان وسورية؛ وتثبيت القناعة بأنه لا المشاكل سوف تحل لأنها تاريخية ولا التقارب سوف ينتهي لأنه تاريخي…
وربما هذا ما قصده الرئيس نواف سلام حينما قال تعليقاً على نتائج زيارته أنه ذهب لتصحيح مسار العلاقات؛ ولوضع الأمور بخصوص تنظيم علاقات البلدين على السكة الصحيحة.
والواقع أن وصف رئيس الحكومة لهدف زيارته صحيح ألف بالمئة؛ ولكن الصحيح أيضاً مليون بالمئة هو أن جميع رؤساء حكومات لبنان من رياض الصلح عام ١٩٤٣ مروراً برشيد كرامي وصولاً لنواف سلام ٢٠٢٥ رددوا كببغاءات نفس العبارة: ذهبنا إلى دمشق لتصحيح المسار ووضعنا العلاقات على السكة الصحيحة!!
والسؤال هو أنه طالما أن أول رئيس وزراء لبناني قال ذهبت لسورية لتصحيح المسار ووضعتا الأمور على السكة الصحيحة؛ فلماذا يقول بعد سبعين عاماً رئيس الوزراء الحالي ذهبت إلى دمشق لتصحيح المسار ووضعنا الأمور على السكة الصحيحة؟؟؛ ولماذا قال رؤوساء الوزراء جميعهم بين ٤٣ و٢٠٢٥ ذهبنا لسورية لتصحيح المسار….؟؟
هل ما يجب أن يفهمه المواطن اللبناني أن جميع الرؤساء السابقين لنواف سلام حاولوا مخلصين أن يصححوا المسار ويضعوا الأمور على السكة الصحيحة ولكنهم لم يفلحوا؛ والآن يريد دولة الرئيس الحالي النجاح حيث فشل رؤوساء حكومات السبعين عاماً الماضية؟؟.
.. ثم إذا كان الجميع قبله حاولوا القيام بنفس المهمة ولم ينجحوا على مدار سبعين عاماً – بدليل أن كل رئيس حكومة يأتي منذ عام ١٩٤٣ يقول ما قاله الرئيس الذي أتى قبله: ذهبت لسورية لتصحيح المسار.. – ؛ فلماذا ينجح رئيس الحكومة الحالي!؟.
السؤال الخالد هو متى يأتي رئيس حكومة ويقول إن العلاقة بين البلدين موجودة على السكة الصحيحة والحال لا يحتاج لتصحيح المسار بل إلى تطويره وتعزيزه لأن كل الأمور موجودة على السكة الصحيحة.
أغلب الظن أن توقيت هذا التصريح لن يأتي أبداً؛ وأن لبنان لن يشهد رئيس حكومة يذهب إلى دمشق ثم يعود منها ليقول أمور العلاقة بين البلدين موجودة بالمسار الصحيح وعلى السكة الصحيحة. بل رئيس الحكومة الحالي كما رئيس حكومة ١٩٤٣ وكما رئيس حكومة العام ٣٠٠٠ سيقولان نفس الجملة: ذهبت لدمشق لتصحيح المسار وووضع الأمور على السكة الصحيحة!!
ما تقدم لا يعني أن العلاقة بين لبنان وسورية ميؤس منها؛ بل يعني أنه يجب إدراك أن السكة الموجودة عليها العلاقات بين البلدين ليست تقليدية بحيث يمكن القول ان حال مسارها صحيح وأمورها بأحسن حال.. فلبنان هو شقيق سورية والأخيرة هي شقيقة لبنان؛ ولكن لبنان شيء وسورية شيء من حيث مضمون كل منهما؛ فمنذ الستينات قرر الشقيقان الافتراق على مستوى كيف سيعيش كل منهما اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً ومالياً.. انفصال المصرف السوري اللبناني؛ ثم في نهايات ستينات القرن الماضي حكم البعث الشمولي في سورية وحكمت الليبرالية الطائفية في لبنان؛ وباختصار كل واحد من الشقيقين قرر الذهاب ليكمل حياته بكل نواحيها باتجاه مغاير؛ ولحد اللحظة لا يزال افتراق النظرة للحياة بين البلدين قائماً حيث سورية تستبدل حكم البعث بحكم الأسلمة؛ فيما لبنان يستبدل نظام ٤٣ الديموقراطي بنظام الطائف الديموقراطي؛ ولكن قرار التجاور الديموغرافي والجغرافي والاجتماعي بين الشقيقين ليس بيديهما، بل موجود “لأسباب تاريخية”؛ وهنا تعود القصة مرة أخرى لبدايتها ولسمفونية أن كل القضية تاريخية..
صحيح أن ما بين لبنان وسورية حدود جوار ومشتركة؛ ولكنها حدود من أخطاء سايكس بيكو؛ ويقال أن باريس ولندن تقصدتا زرع ألغام ديموغرافية حدودية بين لبنان وسورية حتى يبقى البلدين دائماً لديهما مشاكل حدودية وحتى يبقى رؤوساء الحكومات في البلدين يقولون جيلاً بعد جيل أننا التقينا لتصحيح مسار العلاقات بين البلدين ووضعها على السكة الصحيحة.
والخلاصة تقول أنه بمثلما أن جملة تصحيح المسار لا تعني عملياً أنها ستضع العلاقات السورية اللبنانية لى السكة الصحيحة؛ ولكن هذه الجملة يحتاج كل رئيس حكومة جديد لتكرارها في أول عهده حتى يقال انه لم يهمل أهمية علاقة لبنان بسورية، وأنه أكمل متابعة الفشل في حل المشكلة من حيث تركها له أسلافه رؤوساء الحكومات السابقين الذين رددوا نفس جملته عندما قال كل واحد منهم عند إقامته في السرايا الكبير: ذهبت للشام لتصحيح المسار ووضع الأمور على السكة الصحيحة.