د. حمد الكواري:
نعمة الإسلام… السند النفسي في أوقات المحن
حين تمرّ بنا المصائب، وتفجعنا الحياة بفقد الأحبة، أبًا كان أو أما، ابنًا كان أو بنتا، أخا كان أو أختًا، قريبًا كان أو صديقًا رفيقَ درب، تضعف النفس، وتضيق الأرض بما رحبت. هنا ندرك أن من أعظم نعم الله علينا أننا نَعتنق هذا الدين العظيم، الذي لا يُعالج الألم فحسب، بل يُحوِّله إلى باب للأجر، ومعراج للسكينة، وجسرٍ إلى الرضا.
الإسلام لا يُنكر الحزن، بل يعترف به، ويحتضنه، ويوجهه. يمنحنا مساحة للبكاء، ويُعلّمنا أن الحزن شعور إنساني لا يتنافى مع قوة الإيمان. ولكنه في الوقت ذاته، يضع في طريق الحزين أنوارًا من الصبر، ومعاني من التسليم، تعيد التوازن إلى النفس، وتربت على القلوب.
حين تقرأ قول الله تعالى:
“وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ، وَأُوْلَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ
هذه الآيات الكريمة تحتضننا في اللحظات القاسية، وتشكّل لنا بوصلة نفسية وسكينة داخلية لا يُمكن تفسيرها ماديًا.
حين فُجعنا بوفاة أعزائنا واحدًا بعد الآخر مؤخرًا، صار الجرح عميقًا، والفراغ كبيرًا. غير أن ما ساعدنا على الثبات لم يكن قوة شخصية، ولا صلابة ظاهرية، بل ولله الحمد والمنة هذا الإيمان العميق بالقدر، والثقة في حكمة الله، واليقين بأن ما عند الله خيرٌ وأبقى.
عندما فقدنا قرةَ عيننا “تميم”، اتصلت بنا صديقة للأسرة، غير مسلمة، جمعتنا بها علاقة طويلة من الصداقة والتقدير. قالت لنا كلمات بسيطة، لكنها عميقة:
“أنا لست قلقة عليكم، لأنكم مسلمون، وخير مواساة تجدونها في القرآن الكريم، وبالذات في الإيمان بالقدر”.
تأملنا كلماتها، ووجدنا فيها شهادة حق من قلبٍ عرف صدق هذا الدين، حتى وإن لم يعتنقه. نعم، نحن في نعمة عظيمة… نعمة الإسلام، التي لا ندرك عظمتها تمامًا إلا حين نكون في أمسّ الحاجة إليها.
ويكفي أن نرى كيف تعامل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مع حزنه حين ودّع ابنه إبراهيم، ليعلّمنا أن البكاء لا يتعارض مع الرضا، وأن الحزن لا يُنقص من الإيمان، فقال:
“إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ”.
اللهم أدم علينا نعمة الإسلام، واجعلنا من عباده الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة، قالوا بقلبٍ راضٍ ولسانٍ مؤمن: “إنا لله وإنا إليه راجعون”.