مفهوم التعلم المستمر سيهب الحضارة الإنسانية نسقا جديدا للتطور…
العلمُ كالقفل إِن ألفيته عسراً فخلهِ ثم عاودْه لينفتحا
أبوالعلاء المعري
التعليم المستمر هو التعليم النابع من وعي فردي لأهميته وإرادة قوية لتحقيقه، وكل من نجح في الحياة وصار مميزا ولعب دورا، هو ذاك الذي لم يتوقف تحصيله العلمي بعد الحصول على الشهادة أيا كان مستواها، الشهادات ليست نهاية تعلّم، بل بداية لطريق طويل دون يتبخر ما تعلمته ويتوقف الدور، التعليم المستمر.
والتققيف الذاتي قديما كان عملية صعبة وشاقة لضعف الوسائل، ومع ذلك ضرب العلماء العرب والمسلمون أمثلة عن ترحالهم في الأمصار طلبا للعلم، فبذلوا الجهود الشاقة لتحقيقه وهؤلاء هم الذي ساهموا في بناء أنفسهم ومجتمعاتهم وعوالمهم، وكانوا نجوما ساطعين اهتدت بهم الإنسانية.
أما الآن وفي عصرنا ومع وسائل التواصل الثقافي فقد أصبح الأمر أيسر من ذي قبل، ولا يعيقه إلا الكسل وغياب الإرادة.
يستطيع المرء الآن أن يجعل يومه منذ استيقاظه حتى نومه وسيلة متواصلة للمعرفة التي يطمح إليها. وهو الذي يحدد الموضوع والمكان والزمان للتثقيف، من خلال وسائل البحث التقليدية ومن خلال وسائل التواصل المعرفي لمحاضرة يسمعها أو لكتاب يقرأه أو يسمعه، أو لحوار يستمتع به من مختص، أو لندوة حية يشاهدها أو يسمعها ويشارك فيها إن شاء، أو الاستماع لقطعة موسيقية راقية، تبهجه وترفع من ذوقه، أو تعلم لغة يرغب في تعلمها أو تحسين مستواه فيها وإتقانها، أو مشاهدة وثائقي في أي موضوع يخطر بياله أو فيلم يشاهده ويستمتع به .
هذا التنوع المعرفي كفيل ببناء شخصية جديدة للأفراد داخل المجتمع وهو متاح للمتعلمين ولغيرهم على السواء، فلم يعد التعليم مقصورا على مقاعد وقاعات الدرس، بل أصبح الدرس يلقى في كل مكان وزمان، بفضل تطور الوسائط، ولا شك في ان مفهوم التعلم المستمر سيعطي دلالات جديدة لمفهوم الثقافة مثلما سيهب الحضارة الإنسانية نسقا جديدا للتطور.
وإذا توفر لديك الوعي للموضوع الذي تريد تطوير معرفتك به، فبضغطة زر واحدة يكون بين يديك وتحت ناظريك ما تبحث عنه.
المهم أن تحسن إدارة البحث وأن تعرف ما تريد.
ويجب أن ندرك في هذه المواقع فيها الغث والسمين وحسن المقصد وسيئه، ولذلك فإن الوعي مطلوب في الاختيار وإلا كان ضرره أكثر من نفعه.
من تجربتي الشخصية منذ عام أو أكثر فإني أعيش متعة لا توصف من خلال الاستفادة مما تتيح الوسائل والبودكاست من معرفة لا تنتهي، وسياحة فكرية لا يحدها مكان أو زمان وبهجة لاكتشافات يومية، في مختلف أصناف المعرفة.
إني أدعو الشباب إلى إدراك هذا الواقع الرائع والاستفادة منه.
لا عذر للكسول الذي لا يستفيد من معطيات التكنولوجيا والحضارة في تطوير معرفته وإثراء حياته، وأتوجه إلى أهل العزم لشحذ العزائم حتى يكون للجيل الجديد أثره في حياة مجتمعاته وحضارته الإنسانية.